السلام عليكم أستاذ ضمير
اليوم إسمح لي أن أتكلم عن محطات في حياتي، وبإعتقادي يحق لي ذلك.
كنت طالبة في كلية الاعلام، وأنت كنت ضيفا زائرا لجمعية من الجمعيات التي كنت أتردد عليها.
يومها كما قلت لك كنا لانزال طلبة، ولدينا طموحات أكبر من عدد سنوات أعمارنا، كنت في بداية مشواري الجامعي، وبالكاد أعرف عنوانا أو إثنين عن مؤسسات الإعلام في بلدي، كان شغفي كبيرا بالإعلام، لدرجة أنني لم أفعل شيئا سوى البقاء حالمة علّ وضعنا يتغير في بلادنا، وكنا نصغي جيدا لكلماتك وبداياتك في الاعلام، كنا ننصت بفرح يملأ قلوبنا، كما تملأ خيبات الامل حالنا اليوم، نعم يا أستاذ أنا الان بعد تسع سنوات أو أكثر لازلت في مكاني لم أتحرك قيد أنملة _ أعيش في بلدة تبعد عن مقرّ ولايتي بأكثر من 60 كم، هذه الولاية التي لا تملك سوى الإذاعة الجهوية كصرح إعلامي محتكر من جهات عدة وأصر على قولي إذاعة محتكرة.
لن أقول الظروف، لأن كلمة الظروف لا يقولها إلا عاجز، وأنا أكره أن أنعت حالي بالعجز والضعف، ولن أقول شيئا آخر غير ربما لم يحن الوقت بعد، لكن ومن خلال عملي المتواضع اليوم جدا والذي هو في الحقيقة هواية أكثر منه عملا يجلب لي قوت يومي.
غير أن شهادتي التي درست من أجلها بعدد خفقات قلبي، وتخصصاتي في الإعلام، والتجارة الدولية، لم تقنعني أبدا في الاستمرار في عمل لا أحبه، ولا يعبّر عن طموحاتي تلك، وعن شخصيتي التي بنيتها من خلال حبي للإعلام.
فقد عملت يوما بائعة في صيديلية، ومندوبة مبيعات لسلع تُعرض على قناة تلفزيونية، أكرر سؤالي مائة مرة في الدقيقة حتى يستطيع الزبون الإقتناع بشراء سلعة لا أعرف مكوناتها بالضبط!وعملت في مكتب أدوّن مَن دَخَل ومن خرج، وأكتب أرقام الوثائق التي تمر على المسؤلين مثل الروبوت لا أفقه فيها شيئا، وأتحمل غلاظة التافهين ممن يترددون على المكتب لطلب وثائقهم، والإستفسار عن أمورهم، ومصالحهم، يحسبونك سلعة معروضة، فتبدأ عقلية السفهاء تظهر على محياهم، وتفضحهم نواياهم الخبيثة، فأضطر للتكشير عن أنيابي، وتلطيخ وجهي باللؤم حتى أبدو قبيحة، وينصرفون خاليّ الوفاض.
كما أنني عملت مساعدة طبيبة بيطرية، وعرفت كيف تُخنَق فراخ الدجاج ليتم تشريحها، وكيف أمسك بخروف صغير مصاب بحمى، يتبوّل على مئزري، فيتسرب بوله إلى ملابسي.
لكن لم أستطع أن أفعل شيء رغم كل هذا، لم أستطع أن أعمل في الراديو الذي حلمت بترديد صوتي داخله وأنا أستمع إليه في صغري حين كنا لا نملك سوى الراديو، يصدح في البيت في الصباحات الهادئة في قريتي، على رائحة القهوة والخبز التقليدي المعجون بدموع أمي التي كانت تتعب في تربيتنا! وتتحمل ما تتحمله من وضع مزري عشنا فيه في البلدة الفقيرة، مثلي مثل الكثيرين من جيلي وقبل جيلي وبعدهِ، في الجزائر العميقة، رغم غنى بلادنا!
أمي التي كانت تقسم قطع الخشب الكبيرة إلى نصفين، لتوقد لنا مدفأة الحطب في أيام الشتاء الباردة جدا، وثلج جرجرة يلوح لنا ببياضه، تضرب وتتألم للوضع، فقط حتى لا يجوع أولادها ولا يشعرون بالبرد! وحتى تستقبل أبي المتعب من محن الدنيا بإبتسامة لم تفارقها، حتى آخر يوم تكلّم فيه قبل وفاته، قال لها إجلسي وسألها هل نحن متسامحين؟ "ياخي السماح بيناتنا".
فردت: "إيه السماح بيناتنا" فأبتسم وأبتسمت، وبكيتُ أنا في داخلي لأنني عرفتُ أنها لحظات توديع لمحبَيّن عاشى مع بعضهما خمسين سنة، لم أشاهد من نصفها شيئا سيئا من أبي تجاه أمي، أو من أمي تجاه أبي.
فكنت أقول مادام كل هذا الحب، وهذا الخير في أهلي، لمَ بلادي مليئة بالخبث والشر والحرمان، وفي بلدي آلااف الرجال مثل أبي!!! كنت ولازلت أطرح نفس السؤال إلى اليوم، وأتعجب من عدم وجود جواب لسؤالي.
أتعرف يا أستاذ؟! السبب الذي بحثت أنا عنه، ، وجدته مكتوبا في مقال لك ذات يوم بالجريدة، وعرفتُ أنّ السبب هم "العڨاڨن"الذين تحدثتَ عنهم، نعم وبكل إصرار هم سبب دمار أحلامي وأحلام الكثيرين ممن لم يجدو مكانهم في بلدهم، الذي من المفروض أن يحتضن قدراتهم وطموحاتهم!
وما أملكه سوى الدعاء علّ الله يحدث بعد هذا أمرا، لكن إلى متى، من أصبح في العقد الثالث ولا يستطيع الحصول على أدنى حقوقه ماذا نسمية؟ بطّال!!!
فقط نتحدث عن حقوقنا، واحتياجاتنا كبشر، لم نتكلّم عن الأحلام والطموحات!
أنا أقترح أن يطلقون علينا تسمية"ضحية عڨون".
فعلا بلادنا ليست بخير، قرأت ذات مرّة خبرا مفاده أن أمرأة في إحدى الدول الغربية، رفعت دعوة قضائية في حق الجامعة التي تخرجت منها، بسبب أنها لم تحظى بعمل بشهادتها من تلك الجامعة خلال ثمان سنوات! ماذا نقول نحن؟ أخبرني يا أستاذ ضمير بربك! ولتقنعني أنني على خطأ إن قلت أنني لا أحب أي شيء في الجزائر، لا جامعة ولا إدارة ولا تلفزيون ولا أي شيء.
ونصبو لنا أعيادا ومناسبات الثامن مارس ويوم الفتاة، وصاحبة الضحكة المجروحة، أي تفاهات هته التي تتكلمون عنها.
أي أعياد هذه التي يتحدثون عنها؛ ومواطنة في عقدها الثالث تحمل ثلاث شهادات لا تجد حتى حق *بليغة* تلبسها فالدار!!!!!
يومها كما قلت لك كنا لانزال طلبة، ولدينا طموحات أكبر من عدد سنوات أعمارنا، كنت في بداية مشواري الجامعي، وبالكاد أعرف عنوانا أو إثنين عن مؤسسات الإعلام في بلدي، كان شغفي كبيرا بالإعلام، لدرجة أنني لم أفعل شيئا سوى البقاء حالمة علّ وضعنا يتغير في بلادنا، وكنا نصغي جيدا لكلماتك وبداياتك في الاعلام، كنا ننصت بفرح يملأ قلوبنا، كما تملأ خيبات الامل حالنا اليوم، نعم يا أستاذ أنا الان بعد تسع سنوات أو أكثر لازلت في مكاني لم أتحرك قيد أنملة _ أعيش في بلدة تبعد عن مقرّ ولايتي بأكثر من 60 كم، هذه الولاية التي لا تملك سوى الإذاعة الجهوية كصرح إعلامي محتكر من جهات عدة وأصر على قولي إذاعة محتكرة.
لن أقول الظروف، لأن كلمة الظروف لا يقولها إلا عاجز، وأنا أكره أن أنعت حالي بالعجز والضعف، ولن أقول شيئا آخر غير ربما لم يحن الوقت بعد، لكن ومن خلال عملي المتواضع اليوم جدا والذي هو في الحقيقة هواية أكثر منه عملا يجلب لي قوت يومي.
غير أن شهادتي التي درست من أجلها بعدد خفقات قلبي، وتخصصاتي في الإعلام، والتجارة الدولية، لم تقنعني أبدا في الاستمرار في عمل لا أحبه، ولا يعبّر عن طموحاتي تلك، وعن شخصيتي التي بنيتها من خلال حبي للإعلام.
فقد عملت يوما بائعة في صيديلية، ومندوبة مبيعات لسلع تُعرض على قناة تلفزيونية، أكرر سؤالي مائة مرة في الدقيقة حتى يستطيع الزبون الإقتناع بشراء سلعة لا أعرف مكوناتها بالضبط!وعملت في مكتب أدوّن مَن دَخَل ومن خرج، وأكتب أرقام الوثائق التي تمر على المسؤلين مثل الروبوت لا أفقه فيها شيئا، وأتحمل غلاظة التافهين ممن يترددون على المكتب لطلب وثائقهم، والإستفسار عن أمورهم، ومصالحهم، يحسبونك سلعة معروضة، فتبدأ عقلية السفهاء تظهر على محياهم، وتفضحهم نواياهم الخبيثة، فأضطر للتكشير عن أنيابي، وتلطيخ وجهي باللؤم حتى أبدو قبيحة، وينصرفون خاليّ الوفاض.
كما أنني عملت مساعدة طبيبة بيطرية، وعرفت كيف تُخنَق فراخ الدجاج ليتم تشريحها، وكيف أمسك بخروف صغير مصاب بحمى، يتبوّل على مئزري، فيتسرب بوله إلى ملابسي.
لكن لم أستطع أن أفعل شيء رغم كل هذا، لم أستطع أن أعمل في الراديو الذي حلمت بترديد صوتي داخله وأنا أستمع إليه في صغري حين كنا لا نملك سوى الراديو، يصدح في البيت في الصباحات الهادئة في قريتي، على رائحة القهوة والخبز التقليدي المعجون بدموع أمي التي كانت تتعب في تربيتنا! وتتحمل ما تتحمله من وضع مزري عشنا فيه في البلدة الفقيرة، مثلي مثل الكثيرين من جيلي وقبل جيلي وبعدهِ، في الجزائر العميقة، رغم غنى بلادنا!
أمي التي كانت تقسم قطع الخشب الكبيرة إلى نصفين، لتوقد لنا مدفأة الحطب في أيام الشتاء الباردة جدا، وثلج جرجرة يلوح لنا ببياضه، تضرب وتتألم للوضع، فقط حتى لا يجوع أولادها ولا يشعرون بالبرد! وحتى تستقبل أبي المتعب من محن الدنيا بإبتسامة لم تفارقها، حتى آخر يوم تكلّم فيه قبل وفاته، قال لها إجلسي وسألها هل نحن متسامحين؟ "ياخي السماح بيناتنا".
فردت: "إيه السماح بيناتنا" فأبتسم وأبتسمت، وبكيتُ أنا في داخلي لأنني عرفتُ أنها لحظات توديع لمحبَيّن عاشى مع بعضهما خمسين سنة، لم أشاهد من نصفها شيئا سيئا من أبي تجاه أمي، أو من أمي تجاه أبي.
فكنت أقول مادام كل هذا الحب، وهذا الخير في أهلي، لمَ بلادي مليئة بالخبث والشر والحرمان، وفي بلدي آلااف الرجال مثل أبي!!! كنت ولازلت أطرح نفس السؤال إلى اليوم، وأتعجب من عدم وجود جواب لسؤالي.
أتعرف يا أستاذ؟! السبب الذي بحثت أنا عنه، ، وجدته مكتوبا في مقال لك ذات يوم بالجريدة، وعرفتُ أنّ السبب هم "العڨاڨن"الذين تحدثتَ عنهم، نعم وبكل إصرار هم سبب دمار أحلامي وأحلام الكثيرين ممن لم يجدو مكانهم في بلدهم، الذي من المفروض أن يحتضن قدراتهم وطموحاتهم!
وما أملكه سوى الدعاء علّ الله يحدث بعد هذا أمرا، لكن إلى متى، من أصبح في العقد الثالث ولا يستطيع الحصول على أدنى حقوقه ماذا نسمية؟ بطّال!!!
فقط نتحدث عن حقوقنا، واحتياجاتنا كبشر، لم نتكلّم عن الأحلام والطموحات!
أنا أقترح أن يطلقون علينا تسمية"ضحية عڨون".
فعلا بلادنا ليست بخير، قرأت ذات مرّة خبرا مفاده أن أمرأة في إحدى الدول الغربية، رفعت دعوة قضائية في حق الجامعة التي تخرجت منها، بسبب أنها لم تحظى بعمل بشهادتها من تلك الجامعة خلال ثمان سنوات! ماذا نقول نحن؟ أخبرني يا أستاذ ضمير بربك! ولتقنعني أنني على خطأ إن قلت أنني لا أحب أي شيء في الجزائر، لا جامعة ولا إدارة ولا تلفزيون ولا أي شيء.
ونصبو لنا أعيادا ومناسبات الثامن مارس ويوم الفتاة، وصاحبة الضحكة المجروحة، أي تفاهات هته التي تتكلمون عنها.
أي أعياد هذه التي يتحدثون عنها؛ ومواطنة في عقدها الثالث تحمل ثلاث شهادات لا تجد حتى حق *بليغة* تلبسها فالدار!!!!!
No comments:
Post a Comment