من منّا لم يجالس يوما صديقا؟ ومن منّا لم يذق طعم الصداقة والنهل من ينبوعها الصافي، كل واحد فينا قد جرب هذا ولو لمرة واحدة! ولكن ماذا عنك أنت؟ ألديكَ صديق؟ ألديك جليس يقاسمك الليل وقت السدف! وهل حدث وأن نمت وأنت تعانق صديقك بكل حب وتهمس بكلمات تشبه حنان النسيم؟ بل رقيقة مثل ثوب الضحى؟ فالضحى مليء بالنور، وكذلك صديقك يريك الأشياء بوضوح ويمسح غشاوة اللبس التي تنتابك بين الفينة والأخرى.
أجل إنه الكتاب خير جليس، ورفيق العمر لمن يُقدّر قيمته ويعرف معناه.الأسطورة الخالدة والتاريخ الحافل بالمعاني والزاخر بالألوان البهيجة والأصناف البديعة، الصدق والعمق الفكري والمتعة والراحة النفسية والخيال. كل هذا لا يمكن إدراكه بعيدا عن الكتب! قُلّ ماذا تقرأ أَقلْ لك من أنت! نعمة من الله سبحانه وتعالى علينا، نعم لأن القراءة نشاط ايجابي في كل الأحوال ولا يمكن أن يكون هناك اثر سلبي للقراءة أكاد اجزم بذلك. فالقراءة كلما كانت فعّالة كلما كانت ايجابية.
صحيح أن للتكنولوجيات الحديثة تأثيراتها، ولكن يبقى الكتاب هو مصدر المعرفة الحقّة والترسيخ الدائم للمعلومات عبر العصور، ومصدر التدوين والحفظ.
وإذا كنا مقتنعين بالاستمرار في الاكتشاف فإنه علينا أن نعرف كيف نجعل الكتاب يعلمنا بشكل جيد. وعلينا أيضا أن نعي أننا حينما نقرأ فقط لأجل التسلية وجمع المعلومات فحتما لن نتعلم شيئا، لأن الكتب وجدت دائما من أجل الفهم واستيعاب العبر والدروس. و هنا حتما نصبح أكثر تعلما، بل نتعلم كيف نقرأ وكيف نحيا أيضا.
وأنت قلّ لنا كيف هي أخبارك مع الكتب؟ وهل اجتمعت يوما ما بصديق؟ إن قلتَ لا فقد أثَّرتْ فيك سلبا الثورة التكنولوجية وعالم الرقمنة والكومبيوتر، وإن قلتَ نعم، فأنا لن أخاف عليك بعد اليوم، لأنك فنّدتّ كل الأكاذيب والادعاءات بزوال هذا الموروث الذي علينا أن نعتزّ به ونفخر للأبد.
فالشعور السائد بأن القراءة لم تعد ضرورية في هذه الأيام كما كانت من قبل_لأن الإنترنيت ووسائل الاتصال الحديثة قد أدت مهاما عديدة كانت تغطى سابقا من قبل الطباعة_ شعور حتما له ما يقال فيه ويمكننا إثبات العكس، لأننا وكما قلنا لا يمكننا الحصول على العمق الفكري والفوائد العلمية والمتعة بعيدا عن مجالسة الكتب والبحار بين طياتها والغوص في صفحاتها والسكينة بين دفّاتها.
وفي القراءة نلتمس عملية مزدوجة: الأولى تكمن في فك الرموز وتحليلها، فلا يمكننا قراءة كتاب معين دون أن نحاول فهم رموزه المعقدة أحيانا وبذل الجهد في تحليلها. وأما الثانية فهي التي نحن بأمس الحاجة إلى العمل بها، إنها الكتابة والتدوين فما يعاب علينا نحن هو أننا لا نكتب ولا نحاكي أقلامنا حينما نلامس كتابا ما وبالتالي لا ندوّن أيَ نتَاج، ولا يمكن فهم أي كتاب وهذا بالتجربة إلا من خلال تدوين ما فهمناه وهذا حتى ترسخ المعاني وتتضح الملتبسات وبالتالي نستطيع أن نخرج بالجديد من خلال قراءتنا، وهنا نكون قد حقّقنا الفهم المرجو من مطالعتنا لكتابٍ معين.
وخير دليل على هذا ما قاله صاحب "ساعات مع الكتب" العقاد: " يقولون اقرأ ما ينفعك وأقول لك انتفع مما تقرأ".لآلاف السنين؟ صحيح أن للتكنولوجيات الحديثة تأثيراتها، ولكن يبقى الكتاب هو مصدر المعرفة الحقّة والترسيخ الدائم للمعلومات عبر العصور، ومصدر التدوين والحفظ. فبالله عليكم من هو أضمن لحفظ ما نحتاجه عبر السنين؟!المطبوع أم الرقمي؟ أنا لا أعرف الإجابة بالتحديد!!
ما يعاب علينا نحن هو أننا لا نكتب ولا نحاكي أقلامنا حينما نلامس كتابا ما وبالتالي لا ندوّن أيَ نتَاج، ولا يمكن فهم أي كتاب وهذا بالتجربة إلا من خلال تدوين ما فهمناه.
فما هو رأيكم أنتم؟ حتما ستكون لكم وجهة نظر معينة ومن خلالها إما أن تؤيدوا وإما أن تعارضوا! وخير ما أختم به هو علينا أن نحافظ على الكتب لأنها أمهات المعارف، وهي القلب النابض لفكر الإنسان ولا يمكننا تجاهلها فهي شريان المعرفة، وفضل الكتاب علينا كفضل حليب أمهاتنا في ضمان حياتنا ومدنا بالقوة وفضله كفضل الصديق الصادق الصدوق مع صديقه في العناية بشؤونه والحرص على مودته ووصاله.
و ما يتوفر لنا في محاكاة الكتاب ومجالسته لا يتوفر لنا في وسيلة أخرى. فعلينا أن نقرأ ونقرأ ونقرأ، ولا شيء يضاهي القراءة، فاقرأوا وعيشوا تفاصيل الكتب وحالاتها بفرحها وحزنها بشغفها وبساطة شخصياتها وقوتهم ولا تنسوا بأن: "خير جليس في الأنام كتاب".
No comments:
Post a Comment