المقاه
ي ذاكرة المدن، و كاتمة أسرار الموجوعين والعاشقين
الحب في القهوة تكوين أبدي، على الأقل القهوة لن تخذلك، ستقاسمك وجع الليل الذي كنتَه، وتعب عيون الصباح بعد بكاء طويل، وحشرجة القلب التائه الذي يبحث عن أمل يحيى.
لن تجد حضنا أحنُّ من أكواب القهوة الملوّنة بالمرح، تدعوك أن افرح وأنسى ما ألمّ بك من خبث التافهين، من إهمال الغافلين، من خداع الماكرين، ومن زخارف الكلام المنمق في لون التركواز المزيّف.
يمثّل بنا ويمثّل علينا أشباه الأحبّة، أما الصّادقون مثلنا فيعانون في صمت، يسكبون أرواحهم في كل مرة في تنّور من نار. فتشوى قلوبهم وتتشوّه الذاكرة عندهم ويتيهون. يتيهون بلا عقل وعقل؛ الأول جنون والثاني حتى يستمرّوا على قيد الأمل.
إنّنا موجوعون حدّ التخمة ولا عجب، إنّنا متولّعون من لظى الصمت حد الهذيان ولا عجب، إنّنا هالكون حد الحطام ولا عجب.
لا يمكن لكل هذا أن يكون سحرا أو جنونا. لا يمكن أن نضلّ قابعين خلف أيامنا ونوئدُ أحلامنا باستسلامنا.
اللوتوس وحدها المقهى التي كان يلتقي فيها المثقفون والفنانون والشعراء، بقلب العاصمة الموجودة قريبا من جامعة الجزائر في ستينات القرن الماضي والى غاية منتصف الثمانينات، هي عبارة عن نادٍ ثقافي مميز جمع خيرة المثقفين الجزائريين والجامعيين مشارقة ومغاربة.
مقهى “النجمة” بالعاصمة أيضا، قرب ساحة الأمير عبد القادر، ،كان يلتقي فيها بعض المثقفين والفنانين، وهناك مقهى “طنطون فيل” المحاذية لمبنى المسرح الجزائري محي الدين باشطارزي، والتي كانت وما تزال الوجهة الدائمة لرجال المسرح، والكتاب والشعراء ورجال الإعلام.
مقهى التلمساني واحدة من تلك المقاهي التي لاتزال تحافظ على جذوة نشاطها التي بدأت به منذ أن تأسست، ذلك أنها تختلف تماما عن غيرها من مقاهي العاصمة، فبحكم موقعها الاستراتيجي و الخلاب ، والذي لعب دورا هاما في ديمومتها، فنحن نتحدث عن مقهى كانت ملجأ وملتقى كل المتعبين من البحر والامواج، في المساء يجتمع البحارة والصيادون والملاحين على طاولات المقهى يسردون حكايا البحر، ويعدّدون خطوط الامواج.
تعج مقهى “التلمساني” بساحة الشهداء، بالحرفيين وصناع الجلود، والزرناجية، تفتح أبوابها صباحا قبل أن ترسل الشمس خيوطها الأولى، ولا تغلق ابوابها الا في الساعات المتاخرة من الليل، في الثالثة صباحا، يتغير الموظفون ليأخذ مكانهم الفريق الثاني، الذي سيبدأ مناوبته في خدمة رواد المقهى الى غاية انبلاج فجر جديد. التلمساني اصبحت مقصدا للفنانين خصوصا بعد الاستقلال والى غاية اليوم.
القهوة سيدة المزاج الأولى
في باب الواد المدينة العتيقة، كان محبُّو أغاني أم كلثوم لا ينقطعون عن المقهى الذي يحمل اسم كوكب الشرق ام كلثوم، المطربة المصرية.
أما العنابيين فيذكرون أن مقر الخطوط الجوية الجزائرية كان يوما مقهى يحمل اسم ”سيليكت”، وفي ذلك المقهى كتب حيدرحيدر روايته نشيد الموت ”وليمة لأعشاب البحر”، في العام 1983.
في مجموعته القصصية الجميلة ”في المقهى”، كتب محمد ديب عن أجواء المقاهي الدافئة.
داخل المجموعة ينقل محمد ديب المقهى من فضاء شعبي للثرثرة إلى مكان للتخطيط للثورة ومحاكاة تجارب إنسانية خالدة، رسخت في أذهان كل من عرف محمد ديب وتعرف على كتاباته وروائعه، محمد ديب الراسخ في قلوبنا وإلى الأبد.
وكل فعاليات الحياة تحدث تقريبا في المقاهي،أننا لا نكاد نرى حدثا ما لا يمر من المقهى، كل يقوم بالشيء الذي جاء من اجله هنا، فتجد الكاتب والعاشق والمستفرد بنفسه والساكن تحت حلم مؤجل ينتظر التحقيق.
انها منصات خاصة ومفتوحة على الهواء على حد سواء، حيث يشعر المرء، بأنه يتبع تقليدا عظيما من الترفيه والإبداع.
وحينما نأتي لاختلاف المقاهي فاننا حتما، سنرجع ذلك الى الخدمة التي تقدمها كل مقهى، فبهجة المقاهي تكمن في تميز خدماتها وتفردها واحدة عن الاخرى.
كل مدن العالم مليئة بتلك المقاهي التي يفوح منها عبق التاريخ عبر الزمان، ففي كل جهة من جهاتها الأربع، تتوزع مقاهي بشكل متناسق جميل، وتختلف باختلاف الامكنة والاحياء، وارتباطها بالاشخاص ممن تعودوا على التردد عليها، ليصبحوا من روادها.
No comments:
Post a Comment