Sunday, 12 April 2020

كورونا فايروس والتحول في جوانب الحياة

سياحة، تعليم، متاحف، مفتوحة إفتراضيا للناس من بيوتهم… كورونا فايروس يفرض خدمات ووظائف جديدة عبر الفضاءات الإلكترونية


برامج تدعو لاستكشاف التاريخ والقيام بجولات افتراضية ..وتلقّي المعلومة والعمل عن بعد، فقط قم بالتسجبل واستخدم هاتفك أو حاسوبك الشخصي، أو التلفزيون.



مَرَّ أكثر من  ثلاثة أشهر على انتشار فايروس كورونا المعروف ب كوفيد 19.  وبعد أن اكتسح معظم دول العالم، دون إستئذان، وخلّف وراءه العديد من الضحايا، وجيوش من المتصدين له من أصحاب البدلات البيضاء، هاهو العقل البشري يحاول بشتى الطرق،  أن يحافظ على أدائه العقلي، وُيعِمِل تفكيره بعيدا عن ما يكمّم أفكاره، ويدخل في حجر فكري يضاف إلى الحجر المنزلي الذي فرض عليه عنوة جراء هجوم هذا الوباء.
  البرامج المختلفة، المتنوعة، التي أطلقها الكثيرون ممن كانوا يقومون بأعمالهم بشكل طبيعي من مكاتبهم، هاهم اليوم يرسلون عبر منصات التواصل الإجتماعي والمواقع الإلكترونية، برامج متعددة ومتنوعة، محاولَة لدفع عجلة الحياة إلى مواصلة المسير.
 برامج وأعمال ومبادرات وسلوكيات، ومواد دسمة جديدة،  تدخل حيّز التطبيق، قد هجمت هجومها الكاسح ودخلت معظم بيوت الجزائريين على غرار سكان المعمورة، ضاربة  بذلك عرض الحائط كل العادات والتقاليد والأعراف التي تربى وتعود عليها المواطن، لكن يبدو الأمر جيدا من عدة نواحي!
كتب أحدهم على صفحته أنه إذا كان وباء كورونا قادر على تعطيل الجسد، ودفع مفاصل الحياة العامة والخاصة إلى الضمور والشلل، فهو غير قادر إطلاقا على تعطيل العقل، ودفع الخير للجفاف، والرغبة في القراءة والكتابة إلى الإختباء وراء كمّامات الصمت الأحمق.
البقاء في البيت أصبح يشكل الدرع الحامي والواقي الوحيد لسلامتنا، وإمكانية إستمرارنا على قيد الحياة، لذلك وجب علينا الحذر، وخلق فرص جديدة لنكسب هذه الحياة داخل منازلنا، ونستمتع بتواجدنا هناك مع أهلنا وأحبّتنا، فالعلم والتكنولوجيا يجب استغلالهما أحسن استغلال في ظل هذه الظروف، بدل أن نعلن هزيمتنا أمام هذا الكائن اللامرئي، الدخيل غير المرحب به بتاتا، كورونا!



على سبيل المثال نأتي للحديث عن القطاع الحساس وشريان الحياة بالنسبة لكثير من الدول، السياحة التي تقوم عليها اقتصاديات عديد الدول، وبسبب هذا الفايروس الذي استطاع دخول بلدان العالم، والسفر عبر القارات في أقاليم عدة، دون حاجته إلى جواز سفر، أو تأشيرة أو حتى إنتظاره لختم يسمح له بالدخول، فقد دعت الكثير من منظمات السياحة في العالم ووكالات السفر، الموطنين الالتزام بمنازلهم، والمكوث داخل بيوتهم إلى أن تنفرج الأزمة، غلق مجال الطيران الجوي والبحري وحتى الحد من الحركة داخل المدن، كبّد شركات النقل خسائر فادحة، تسبب في تقليص عدد العمال وتسريح الكثيرين منهم بشكل دائم أو مؤقتا، فقد لقي الكثيرون أنفسهم بدون وظائف جراء إكتساح الوباء المستجد.
شركات أخرى أعلنت إفلاسها، ووقوف حكوماتها عاجزة أمام صد هذا العجز والإفلاس، منظمة الطيران العالمي تتوقع خسارة أكثر من 29 مليار دولار، المطاعم  والمقاهي على تنوعها تغلق أبوابها أمام روادها، الفنادق أغلقت أجنحتها وألغت حجوزاتها، فنسبة الطيران إنخفضت إلى 6%، بعدما كان متوقعا وصولهة إلى زيادة 4٫8% قبل كورونا.

مما جعل الكثير من الوكالات والشركات تطلق خدماتها عبر منصات التواصل الإجتماعي وخلق خدمات جديدة، على غرار نشر صور لمناطق طبيعية، والحديث عن معالم أثرية، متاحف وجهات سياحية، وتشجييع المتصفحين، على إختلاف مستوياتهم الثقافية، بعدما أصبح الكل تحت رحمة الحجر المنزلي، على القراءة والبحث وزيارة المعالم والمناطق إفتراضيا والمشاركة في مسابقات لنشر الإيجابية، والترويج عن النفس، للتخفيف من التوتر النفسي والإضطراب بسبب الهلع والفزع الذي سبّبه  إنتشار الفايروس.


https://www.almentor.net/

أما الحديث عن التعليم، فبعدما توقفت المدارس والجامعات، والكورسات والندوات، وعُلِّقت الدراسة إلى أجل غير معلوم، وبعد أن أعلنت الكثير من الدول إنتهاء الموسم الدراسي مبكرا، وجد الكثيرون متنفسا في التعليم الإلكتروني، وعن بعد. منصات عدة على غرار قوقل ومنصة إدراك، كورسيرا، وغيرها، مراكز تدريب أيضا، الأستاذة حميدة بوديني  أخصائية نفسية وصاحبة مركز تدريب بعين البنيان، معظم نشاطاتها وأعمالها تستوجب الحضور الشخصي للمتدربين ترى أن التعامل مع الأمر تطلب منها تحديا كبيرا لمواصلة مهامها من البيت، فكانت لوسائل التواصل الإجتماعي الدور البارز والكبير، في تلقي طلابها ومتدربيها موادهم التعليمية، وتلقي الإستشارات والدروس.
فقد كان لمجموعات أنشأتها عبر الهاتف أو تطبيق مسنجر وواتساب  أهمية كبيرة في مواصلة متابعة الحالات التي كانت تعالجها، في حين تكون المتابعة عبر سكايب الحالات التي تستدعي رؤيتها.
وتضيف أنّه بالنسبة للدرات فحتما لا يمكن أن تقيمها أونلاين وتطلب من الراغبين في حضورها أن يدفعوا مبالغ مالية، لأننا جميعا في وضع خاص، الكثير بقي بدون عمل، ويحتاج للتزود بالغذاء والرعاية الصحية، وبالتالي لا يمكنه دفع مبالغ لدورات تدريبية.
الكل بحاجة لأن يتجنّد من أجل مواجهة هذا الواقع الجديد، فلا بأس للطبيب والشرطي والحارس والأستاذ والمحامي، و عامل النظافة و مدير الشركة، أن يحاول هو أيضا بدوره أن يحسن من مهاراته ويعدل من سلوكياته، يتعلم لغات جديدة ويغذي معارفه، وذلك لمواجهة هذه الطفرة النوعية في تاريخ البشرية، علينا جميعا أن نقوي مهاراتنا لتتظافر جهودنا في التصدي للخطر ومجابهة الوباء.
كما أن هذه المنصات أطلقت مجموعة من الكورسات والمواد التعليمية أغلبها مجانية لمساعدة الناس على تعلم مهارات جديدة، وتطوير الذات، مواد تعليم لغات، واكتساب خبرات جديدة، التعبير عن ذواتهم وممارسة هواياتهم، والإستعداد لما بعد كورونا، فحتما هذا الوضع الذي خلقه التضييق جراء استفحال الفيروس في عرقلة شريان الحياة، وممارسة الناس لنشاطاتهم، حتما سيخلق نمط معيشي جديد، بدأت تظهر معالمه في عز الأزمة.
ففي الأسبوع الماضي في السادس عشر مارس كتبت  المحرِّرة الأَدبية “ليزْبِت آرمان”Lizbeth Arman في جريدة الوقت  Le Temp السويسرية مقالا ذكرَت فيه أَنَّ انتشار وباء كورونا جعل المئات من الناس يقْبلون على رواية “َألبير كامو” Albert Camus “الطاعون” 1947، هذا الوباء الذي ضرب مدينة وهران الجزائرية سنة 1944. وكانت هذه الرواية عنصرًا رئيسًا ساهمَ في نيل كاتبها “نوبل” الأَدب 1957.
الأطفال أيضا لهم نصيبهم من المشهد الراهن لحياة في زمن كورونا، درجة الوعي التي لمسناها عند الأطفال، وما تمخض عنها من تقبلهم لفكرة المكوث لفترات طويلة بالبيت، وإشتياقهم للروضة والمدرسة الأصدقاء الدراسة، وإكتفائهم بما يقدمه معلموهم وكتاب القصص الذين كانوا يرافقونهم قبل هجوم كورونا.
سماح إدريس، كاتب وأديب لبناني يكتب قصصا لأول مرة خصيصا لهذه الفترة بالذات، يسجلها عبر اليوتيوب، ويقرؤها هي وقصص أخرى  للأطفال من وراء شاشة هاتفه.
الحكواتية طفول أيضا كثّفت مجهوداتها، عبر قناتها على اليوتيوب من خلال قراءة المزيد من القصص، وصرحت كاتبة قصص الأطفال سماح أبو بكر عزّت  أنّها ستقرأ قصصا لوحدها دون مشاركة الأطفال معها في تسجيل الحصة، وتكتفي بمتابعتهم لها من وراء شاشات التلفزيون بالبيت.
أما حميدة بوديني فتشارك في مبادرة المدرب الصغير مع مجموعة من المدربين والاستشاريين النفسيين في الوطن العربي، يشاركون الأطفال مواهبهم ويرافقونهم في التعلم، واكتساب مهارات تجعل منهم مدربين صغار قادرين على الإنجاز في شتى مجالات الحياة.



من جهة أخرى ، وفي خضمّ الشلل الحاصل في الحياة الثقافية والترفيهية في العالم نتيجة انتشار هذا الفايروس "كورونا"، قرر محرك البحث "غوغل" بالتعاون مع عدد من المتاحف والمعارض العالمية، المشاركة في الترفيه عن ملايين البشر في بيوتهم، وتم إطلاق خاصية تسمح لمحبي التاريخ والفن بالتجول الافتراضي داخل مجموعة من المتاحف والمعارض واستكشافها بالكامل، ففي معرض أوفيزي بفلورونسا، متحف غوغينهام بنيويورك، متحف فإن خوخ بأمستردام، و متحف بيرغمون ببرلين، وغيرها، يمكنك الإطلاع على الكثير من  المعارض، وزوايا أخرى في المتحف وأنت في بيتك.
كل هذه التطورات تجعلنا نقف على حقيقة أنه بإمكاننا العمل في العديد من الوظائف وإنجاز الكثير من الأشياء العالقة التي تم تأجيلها لأسباب معروفة أو مجهولة، وسواء تعمدنا ذلك أو لكسل فينا، و أنه يمكننا أيضا تقديم خدماتنا، وعرض منتجاتنا وتوصيل معلوماتنا وأفكارنا بالقدر الكافي و لشريحة واسعة من الناس فقط من البيت وبكبسة زر وتركيز لا بأس به في هواتفنا و حواسيبنا.
 فيما سبق لم أكن لأقدر على إقناع والدتي بأنني أعمل من البيت،  و بهاتفي فقط، وعندي وظائف وكورسات و مواضيع عليّ إنجازها وتسليمها في الوقت المحدد لذلك.

فبرتوكول العمل عندها يقول بأنه عليّ إرتداء ملابس الخارج وحمل حقيبتي وقطع مسافات الطريق والتوجه إلى مكان العمل، وإلا فلا يوجد هناك مهنة أو وظيفة، فرؤية الأشخاص يرتدون بيجاماتهم ويستلقون على الأريكة من صالونات منازلهم، أو حتى التحضير لتسجيل حصة إخبارية من غرفة النوم يعد ضربا من الجنون لكثيرين، ولا يمكن إستيعابه، وهاهو قد جاء وقت يمكننا فيه تسهيل حياتنا العملية بعض الشيء، التسجيل بالهاتف وحتى الكاميرا، ولكن من داخل بيوتنا، جنّبنا العديد من المعوقات، والصعوبات والمشاكل التي تواجهنا في الحياة،  كاكتضاض حركة السير في الطروقات، والوصول متأخرا، أو حتى تضييع فرص العمل لمجرد أن المكان بعيد ويحتاج حضورك الشخصي ومكوثك هناك لساعات طويلة، وفي المساء سيصعب عليك العودة إلى بيتك.

هذا الحدث بالرغم مما يحمله من محن ومساويء وسلبيات إلا أنّه عرّفنا على أنفسنا وما يمكننا فعله إن فرضت علينا عزلة ما في مكان ضيق، محصور، وأنه بإمكاننا شحذ الصخرة لتفجر ماء زلالا يروي عطش عقولنا المتعودة على القولبة والنمطية، بعيدا عن التعلم وإكتساب مهارات جديدة داخل حيّز زمكاني ضيق جدا.






No comments:

Post a Comment

الرشتة، عجينتها ومريقتها، طبق جزائري تحتفظ بخصوصيتها وأسرار طبخها وتقديمها

  تتعدد تقاليد الأكل الشعبي في البلدان عبر العالم، وهذا بحسب التموقع الجغرافي والتمازج السوسيولوجي والأنتروبولوجي، مما يدخل في مكونات الطعام...