أحبّائي:
أنتم جميعا، حتى أولئك المهملون، المتغافلون، الناسون، وحتى المزعجون، مالضير أن نغيّر عاداتنا السيئة قليلا ونحاول أن نُحَسِّن من قبح العالم بعض الشيء!؟
أن نرسل رسائل إطمئنان نسأل فيها عن بعضنا البعض، بدل تلك السلبية التي يضجّ بها عالمنا في كل منبر، وكل تلك الأخبار الموجعة التي تنتشر كالنار في الهشيم، وأولائك البائسون أعداء الفرح، الذين ينثرون سمومهم ويرسلون قذارتهم عبر مسالك الحياة.
الألام أصبحت متاحة بكثرة، لا داعي لتذكيرنا بها في كل لحظة، يكفي ماتنقله وسائل التواصل الإجتماعي، ومحطات التلفزيونات عبر العالم.
حقا تعبنا من الوضع، لم يعد يجدي نفعا مسايرة الوضع، نحتاج لتغيير الكثير من الأمور، وأن نخرج من هذا الواقع المريض، الموبوء بإتعاب أرواحنا أكثر مما ينبغي!
أتكلم عن نفسي
منذ شهور لم أخطُ خطوة واحدة خارج أعتاب بيتنا، لم يعد بالإمكان فعل ذلك، فها قد حلّت علينا فاجعة الجائحة، وفرض الحجر المنزلي للوقاية من فيروس فتاك لا يرى بالعين المجردة، لكنه لا يفرق بين أحد، يصيب الجميع ويفتك بأرواح ضعاف المجهاز المتاعب.
كل تلك المرات التي خرجتخفيها منمالبيت خلال الأشهر الماضيةالم تكن سوى تلك التي كنت أرافق فيها أمي إلى المركز الصحي لتكمل متابعاتها عند طبيب الأسنان، فيفالأيام الأولى لإنتشار فايروس كورونا، وقبل أن يفرض الحجر المنزلي.
والمسافة بين المركز الصحي وبيتنا على بعد خمسة دقائق، وفي منطقتي لا يمكن للمرأة أن تعرج مثلا على محل من المحلات على رغم تنوعها! يعني كنت أقطع المسافة دون أدنى إلتفاتة لأي مكان آخر.
في مرة واحدة من المرات طلبت من أمي أن نعرّج على بيت عمتي لزيارتها، البيت الوحيد تقريبا الذي أزوره في منطقتي، وما سواه لا أعرف شيئا في المنطقة التي أسكنها، إلا منزلا أو أثنين لأقاربي، ولو طلب مني التجول في أحيائها حتما سأتوه في ركن من أركانها!
عمتي الوحيدة التي بقيت لي من رائحة #أبي رحمه الله ورحم عمي وعمتي الثانية، عمتي التي نزورها لا تتكلم ولا تتحرك إلا ببعض الحركات الخفيفة جدا في سريرها، فقد ساءت حالتها بعد أن فقدت أبي قبل خمس سنوات، هو أخوها وسندها ورفيقها وحاميها بعدما فقدت زوجها وتيتم أطفالها.
ومن كأبي!
"وكانت أليسا قد علقت على الصورة قائلة "انظروا من وصلنا أخيرًا ورأيناه اليوم؛ أنا لن أدعي أنني صرخت مثل الأطفال عندما رأيته ذاهبًا إلى العمل؛ إننا نفتقده؛ لكننا نقوم بما يجب علينا فعله".
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1299514836911981&id=100005604314773
مات أبي وهي داخل غرفة العمليات قد شق صدرها ووضعت لها آلة تنظم دقات قلبها التي أصبحت ضعيفة، يومها لم نخبرها أن أبي مات، بعد أسبوع عادت إلينا، وكانت قد رأت مناما، لم تسأل عن شيء، كان بيتنا يعج بالناس من أقاربي، كانت أسابيع مهيبة، لا شيء سوى البكاء والدموع والعيون الشاخصة، والصمت. عانقتني وبكينا، كتمت دموعي وحزني رأفة بحالها، كنت أنا التي واستها!
ثم ماتت عمتي أختها الكبرى والوحيدة، ثم يموت عمي وزوج إبنتها في يوم واحد!
يومها صمتت عمتي الجميلة ذات البشرة البيضاء مثل الكريستال، وصاحبة القوام الممشوق، والصدر البارز، والجسم الجميل، عيناها لوحدهما حكاية، فهي التي ورثت زرقة عيونها وقوة شخصيتها من جدّتي لأبي رحمها الله. جدتي
كانت سيدة قومها وزوجة السيد #سي_سعد من أشراف القوم الكل يأتمر بأمرها، والكل ينتهي بنهيها، والكل يناديها #لالة_أم_السعد، والكل يكنّ لها الإحترام والتقدير المطلقين.
ذهبنا لرؤية عمتي، جلسنا معها بعض الساعات، وكان الحديث إليها مجرد إيماءات منها بعينيها الجميلتين، ووجهها المبتسم رغم وهن المرض، أكلنا ومزحنا معها رغم كل تلك الألام، كانت نبتسم دائما، بوجه راضي يسرح طويلا ويتلاشى في الصمت المطبق أحيانا.
أما أمي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=781593122247656&id=100011909255903
عدنا أمي وأنا إلى البيت، أمي تلك المكافحة جدا، والتي لا تقلّ قصتها زخامة بالأحداث من قصتة عمتي.
من يومها لم أخرج، مر أكثر من شهرين على آخر يوم خرجت فيه يوم زرت عمتي، جاءت أزمة #الكورونا، لم أستطيع الخروج من البيت، فلا داعي لذلك، لا عمل لي خارجه، ولا مكان أذهب إليه، لا مصالح ولا حتى للسوق، رغم حاجتي لشراء الكثير من الأشياء الضرورية التي تنقصني وأحتاجها كفتاة.
كنت ولازلت أصبر، وإن شعرت بالضيق والحزن أكتفي بالبكاء تحت لحافي أو بعيدا عن أعين أمي.
في خضم ما يحدث، وبما أن الهاتف هو المسلي والرفيق الوحيد لي، ومصدر تعلمي، وإستفادتي، مع بعض الكتب وأدوات التطريز، أجده مليئا بكل شيء، أستطعت أن أخلق عالمي الخاص في تعلم الحرف، والقراءة من الأنترنيت بواسطته.
في كل هذه الأحوال لا أفتقد شيئا سوى الأمان الذي رحل يوم فارقنا أبي، لا أفتقد سوى تلك الوداعة التي تغمر بيتنا، يلفنا المساء ببرودة شتاءاته، وتغمرنا حرارة الموقد الذي يلتهم برد أجسادنا ليدفئ أرواحن، فتتكون تلك الراحة في كنف العائلة، إنّه أبي المكافح الشرس الذي نجا من موت محدق عدّة مرات، قاسى تعب المرض، وغدر المحيطين به، وإحباطات الحاسدين، لكنه لم يستسلم، بل راح بوداعة رجل عارف مختبر للحياة، ومغامر يخوض المعارك دون هوادة.
أبي أيّها الحببب باقٍ أنت في قلبي.
أيها الناس الذين أحبهم جميعا دون إستثناء، أهلي أحبتي، أصدقائي، ورفاق الدرب.
أنتم الذين تقاسمت معهم حلو الحياة ومرّها، أنتم الذين كتبت معهم محطات من حياتي ولازلت أفعل إلى النهاية.أنتم جميعا، حتى أولئك المهملون، المتغافلون، الناسون، وحتى المزعجون، مالضير أن نغيّر عاداتنا السيئة قليلا ونحاول أن نُحَسِّن من قبح العالم بعض الشيء!؟
أن نرسل رسائل إطمئنان نسأل فيها عن بعضنا البعض، بدل تلك السلبية التي يضجّ بها عالمنا في كل منبر، وكل تلك الأخبار الموجعة التي تنتشر كالنار في الهشيم، وأولائك البائسون أعداء الفرح، الذين ينثرون سمومهم ويرسلون قذارتهم عبر مسالك الحياة.
الألام أصبحت متاحة بكثرة، لا داعي لتذكيرنا بها في كل لحظة، يكفي ماتنقله وسائل التواصل الإجتماعي، ومحطات التلفزيونات عبر العالم.
حقا تعبنا من الوضع، لم يعد يجدي نفعا مسايرة الوضع، نحتاج لتغيير الكثير من الأمور، وأن نخرج من هذا الواقع المريض، الموبوء بإتعاب أرواحنا أكثر مما ينبغي!
أتكلم عن نفسي
منذ شهور لم أخطُ خطوة واحدة خارج أعتاب بيتنا، لم يعد بالإمكان فعل ذلك، فها قد حلّت علينا فاجعة الجائحة، وفرض الحجر المنزلي للوقاية من فيروس فتاك لا يرى بالعين المجردة، لكنه لا يفرق بين أحد، يصيب الجميع ويفتك بأرواح ضعاف المجهاز المتاعب.
كل تلك المرات التي خرجتخفيها منمالبيت خلال الأشهر الماضيةالم تكن سوى تلك التي كنت أرافق فيها أمي إلى المركز الصحي لتكمل متابعاتها عند طبيب الأسنان، فيفالأيام الأولى لإنتشار فايروس كورونا، وقبل أن يفرض الحجر المنزلي.
والمسافة بين المركز الصحي وبيتنا على بعد خمسة دقائق، وفي منطقتي لا يمكن للمرأة أن تعرج مثلا على محل من المحلات على رغم تنوعها! يعني كنت أقطع المسافة دون أدنى إلتفاتة لأي مكان آخر.
في مرة واحدة من المرات طلبت من أمي أن نعرّج على بيت عمتي لزيارتها، البيت الوحيد تقريبا الذي أزوره في منطقتي، وما سواه لا أعرف شيئا في المنطقة التي أسكنها، إلا منزلا أو أثنين لأقاربي، ولو طلب مني التجول في أحيائها حتما سأتوه في ركن من أركانها!
عمتي الوحيدة التي بقيت لي من رائحة #أبي رحمه الله ورحم عمي وعمتي الثانية، عمتي التي نزورها لا تتكلم ولا تتحرك إلا ببعض الحركات الخفيفة جدا في سريرها، فقد ساءت حالتها بعد أن فقدت أبي قبل خمس سنوات، هو أخوها وسندها ورفيقها وحاميها بعدما فقدت زوجها وتيتم أطفالها.
ومن كأبي!
"وكانت أليسا قد علقت على الصورة قائلة "انظروا من وصلنا أخيرًا ورأيناه اليوم؛ أنا لن أدعي أنني صرخت مثل الأطفال عندما رأيته ذاهبًا إلى العمل؛ إننا نفتقده؛ لكننا نقوم بما يجب علينا فعله".
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1299514836911981&id=100005604314773
مات أبي وهي داخل غرفة العمليات قد شق صدرها ووضعت لها آلة تنظم دقات قلبها التي أصبحت ضعيفة، يومها لم نخبرها أن أبي مات، بعد أسبوع عادت إلينا، وكانت قد رأت مناما، لم تسأل عن شيء، كان بيتنا يعج بالناس من أقاربي، كانت أسابيع مهيبة، لا شيء سوى البكاء والدموع والعيون الشاخصة، والصمت. عانقتني وبكينا، كتمت دموعي وحزني رأفة بحالها، كنت أنا التي واستها!
ثم ماتت عمتي أختها الكبرى والوحيدة، ثم يموت عمي وزوج إبنتها في يوم واحد!
يومها صمتت عمتي الجميلة ذات البشرة البيضاء مثل الكريستال، وصاحبة القوام الممشوق، والصدر البارز، والجسم الجميل، عيناها لوحدهما حكاية، فهي التي ورثت زرقة عيونها وقوة شخصيتها من جدّتي لأبي رحمها الله. جدتي
كانت سيدة قومها وزوجة السيد #سي_سعد من أشراف القوم الكل يأتمر بأمرها، والكل ينتهي بنهيها، والكل يناديها #لالة_أم_السعد، والكل يكنّ لها الإحترام والتقدير المطلقين.
ذهبنا لرؤية عمتي، جلسنا معها بعض الساعات، وكان الحديث إليها مجرد إيماءات منها بعينيها الجميلتين، ووجهها المبتسم رغم وهن المرض، أكلنا ومزحنا معها رغم كل تلك الألام، كانت نبتسم دائما، بوجه راضي يسرح طويلا ويتلاشى في الصمت المطبق أحيانا.
أما أمي
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=781593122247656&id=100011909255903
عدنا أمي وأنا إلى البيت، أمي تلك المكافحة جدا، والتي لا تقلّ قصتها زخامة بالأحداث من قصتة عمتي.
من يومها لم أخرج، مر أكثر من شهرين على آخر يوم خرجت فيه يوم زرت عمتي، جاءت أزمة #الكورونا، لم أستطيع الخروج من البيت، فلا داعي لذلك، لا عمل لي خارجه، ولا مكان أذهب إليه، لا مصالح ولا حتى للسوق، رغم حاجتي لشراء الكثير من الأشياء الضرورية التي تنقصني وأحتاجها كفتاة.
كنت ولازلت أصبر، وإن شعرت بالضيق والحزن أكتفي بالبكاء تحت لحافي أو بعيدا عن أعين أمي.
في خضم ما يحدث، وبما أن الهاتف هو المسلي والرفيق الوحيد لي، ومصدر تعلمي، وإستفادتي، مع بعض الكتب وأدوات التطريز، أجده مليئا بكل شيء، أستطعت أن أخلق عالمي الخاص في تعلم الحرف، والقراءة من الأنترنيت بواسطته.
في كل هذه الأحوال لا أفتقد شيئا سوى الأمان الذي رحل يوم فارقنا أبي، لا أفتقد سوى تلك الوداعة التي تغمر بيتنا، يلفنا المساء ببرودة شتاءاته، وتغمرنا حرارة الموقد الذي يلتهم برد أجسادنا ليدفئ أرواحن، فتتكون تلك الراحة في كنف العائلة، إنّه أبي المكافح الشرس الذي نجا من موت محدق عدّة مرات، قاسى تعب المرض، وغدر المحيطين به، وإحباطات الحاسدين، لكنه لم يستسلم، بل راح بوداعة رجل عارف مختبر للحياة، ومغامر يخوض المعارك دون هوادة.
أبي أيّها الحببب باقٍ أنت في قلبي.
No comments:
Post a Comment