Monday, 29 March 2021

قصر خداوج العمياء..بين أسطورة الحكاية.. وسحر المكان



بيت من بيوت القصبة العتيقة بأعالي العاصمة الجزائر يفتح أبوابه أمام الزوّار قبل بدء عملية الترميم.

تحول القصر اليوم إلى متحف وطني يفتح أبوابه للزوار طيلة أيام الأسبوع ماعدا الجمعة. بدأت أشغال الترميم فيه في الجزء الأهم من القصر خلال الأشهرالأولى من عام2017، وهو الجناح الواسع أو بيت الضيافة؛ "الصالون" بالمسمى الحالي.

تُظهر الصور جوانب وضع أساسيات الترميم التي بدأت في العام 2008 م.
و للقصر حكاية هي أقرب منها إلى الأسطورة والخيال، لكن تناقلتها الألسن ولم يستطع أحد من المهتمين والمختصين نفيها أو إثبات صحتها، لكنها تبقى قصة جميلة تحكي حياة الناس الجزائريين أيام القرن السادس عشر ميلادي، حينما كانت الدولة العثمانية في أوج عطاءاتها، وتقول الحكاية :
عاشت الأميرة خداوج في قصر فخم أنيق بالقصبة السفلى، وبالضبط بحي يدعى "سوق الجمعة" مع والدتها ووالدها الحاكم حسن خزناجي، إلى جانب أختها الكبرى فاطمة.
كانت حياة البنت الصغرى خداوج، مختلفة عن بنات سنها في عصرها، وحتى عن أختها الكبرى. فقد لقيت من الدلال ما يكفيها، ومن المرح ما يرضيها، خصوصا من طرف الحاكم والدها، الذي منحها اهتماما مبالغا فيه. هذا ما جعلها تميل له باعتباره قائدا للأسطول البحري الجزائري، وأحد أعضاء الديوان "الخزينة" لدى الداي محمد بن عثمان، وذلك سنة 1792م.




  كان حسن الخزناجي كثير السفر، وفي إحدى سفرياته أحضر لابنته مرآة ثمينة مصنوعة من زجاج يلمع، يشبه الألماس مع زخرفة منقوشة تحيط بحواشيها، ومع مرور السنين ازدادت خداوج حسنا، ومن شدة ولعها بذاتها وكثرة تأملها في المرآة يقال أنها أصيبت بالعمى! 

وفي رواية أخرى تقول أنّ داي الجزائر أراد أن يقدّم لزوّاره والسّفراء الذين تجمّعوا في قصره شيئا يستدعي الإبهار، فأراد أن يُعرف من إسمه أمام الأوروبيين بأن يبرز ذوقه الرفيع في اختيار الجمال، فطلب من نساء قصره تزيين خداوج وإخراجها للزوار، وبعد ساعات من العمل صارت «خداوج» مثل البدر في ليلة اكتماله، شهقت النّساء أمام هذا الجمال، فأرادت «خداوج» أن تتأكّد من مظهرها بنفسها، فنظرت في المرآة لتصاب بصدمة من فرط جمالها ما أدّى إلى إصابتها بالعمى، وصارت منذ ذلك الزمان تلقّب بـ «خداوج العمية.

 وبعد أن فشل الأطباء والحكماء في علاجها، وخوفا على مصيرها، قّرر والدها أن يهديها القصر الذي يقطنون فيه ضمانا لمستقبلها بعد موته.
تعودت خداوج على حياتها الجديدة وعاشت في القصر مع أبناء أختها عمر ونفيسة اللذان اعتنيا بها، الأمر الذي زادها حبا وتعلقا بالحياة، ليسمى بعد وفاتها بـ "دار خداوج العمياء".

التصميم العمراني والزخرفة المعتمدة في القصر، حكاية الزمان والمكان، تظهر اهتمام القدامى  الشديد بفن العمارة.


والقصر تصميم عمراني خاص بالعثمانيين، أسرت هندسته نابليون، فبعد دخول الغزاة الفرنسيين إلى الجزائر عام 1830 تمّ تعويض مُلاّكه بمال زهيد ليصبح مقرا لأول بلدية فرنسية بالجزائر العاصمة، لكن بالنظر إلى بهائه ورونقه لم يستطع ملك فرنسا آنذاك نابليون الثالث وزوجته كتمان عشقهما لهذا الصّرح، فاتّخذه نابليون مقاما له اعتبارا من سنة 1860، فكلّما حلّ بالجزائر العاصمة إلاّ وتوجه مباشرة إلى هذا القصر، ليقضي ملك فرنسا مدّة زيارته للجزائر في أحضان دار الأميرة الكفيفة، وليحوّل في سنة 1961 إلى متحف للفنون الشعبية، ليصبح بعدها في عام 1987 متحفا وطنيا للفنون والتّقاليد الشعبية يضمّ آلاف التّحف الفنية التّقليدية.

في مدخل القصر نجد ما يسمى بالزريبة وهي مكان تجمع فيه الدواب، لتليها الدريبة، فيها نجد حنفية للاغتسال قبل الدخول إلى السقيفة التي تحوي ممرا طويلا ذي سقف مقبب وسميك ينتهي على جوانبه بأقواس جدارية مجوفة ومحمولة على أعمدة رخامية، وعدد الأقواس من جهة اليسار أربعة، هي مفصولة بثلاثة أعمدة، يأخذ كل عمود شكلا حلزونيا، بينما نجد قوسين بالجهة اليمنى.

يتكون القصر من ثلاث طوابق مختلفة  التكوين،  حيث يفضي الطابق الأرضي الى درب أو زقاق صغير تحمل بصماته جداريات من الزخارف الرخامية، أما الطابقين الثاني والثالث فيحتويان مشربية السلطان وصفٍّ من الغرف  كانت في أيام عز السلاطين تستعمل للنوم والاستراحة، ومنها ما كان مخصصا للحمامات التركية .

الدخول إلى القصر دعوة ملحّة للسفر عبر الزمن 

وأنت  تتجول داخل القصر تشدك كثيرا تلك المقتنيات النادرة فيه، من تحف وأثاث وصور وحُليّ فضية عتيقة ونادرة، تعود لعدة حقب من الزمن، جمعها بعض المولعين بالتحف الفنية وجادوا بها على قصر خديجة أو المدللة خداوج، لما تحمله هذه الشخصية من محبّة وولع لكل من قرأ حكايتها وزار قصرها.




https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1057356004414463&id=345383252278412



ويبقى قصر خداوج العمياء معلما تاريخيا معبقا بسحر الماضي يجلب إليه كل من يعشق العمارة الإسلامية والزخارف الفنية العثمانية، ومتحف يفتح أبوابه لكل متذوقٍ للجمال.



No comments:

Post a Comment

الرشتة، عجينتها ومريقتها، طبق جزائري تحتفظ بخصوصيتها وأسرار طبخها وتقديمها

  تتعدد تقاليد الأكل الشعبي في البلدان عبر العالم، وهذا بحسب التموقع الجغرافي والتمازج السوسيولوجي والأنتروبولوجي، مما يدخل في مكونات الطعام...