Friday, 20 November 2020

قصر الباردو، تحفة معمارية تؤرخ لحياة عامرة بالهدوء والسكينة

   كلما دخلت قصرا من قصور الجزائر القديمة، كلما شدني المكان اليه، سحر البناء، الذي ينفرد به كل قصر، يجعلك مدهوشا مشبوبا بالذاكرة، تبحث عن كنه لما يحدث لك في تلك اللحظات المتقاربة بينها وبين الماضي!
القصور القديمة بحدائقها وفي صالاتها الواسعة وزليّجها المتفرد الصنع يمتزج عطره بأنفاسنا، لنصل إلى ذاك الزمن ونحن لم نبرح بعد مكاننا.
  قرّرت للحظة أن أسافر عبر هته القصور، وبدأت رحلتي وأنا أغمض عينيّ لأحلم أكثر بذلك الزمن، فصرح معماري كقصر الباردو لا يمكنك سوى أن تغمض عيّنيك، وتشرع نوافذ قلبك لتسافر عبر الزمن، وتدع خيالك يبحر دون قيود.
  للحظة ما وأنا أتجول هناك، تخيلت نفسي أنا محظية الأمير الحاج بن عمر، ولمَ لا؟ وقد وجدت في غرفتها كل ما أبحث عنه من راحة وسكينة وهدوء، لأكتب مذكراتي، وأدوّن أشعار الليل التي غالبا ما أنساها وأنا أعُدّ النجوم التي يتلاشى وهج بعضها تدريجيا كلما مرّ نيزك من هنا أو هناك.





  المتحف الوطني باردو في مدينة الجزائر، يقع في ضاحية الجزائر مصطفى باشا، بنيَ أواخر القرن الثامن عشر على يد ثري تونسي منفي في الجزائر "بن الحاج عمر"، ليكون بمثابة إقامة صيفية يستقبل فيها وجهاء المدينة.

سنة 1879 أضاف الفرنسي جوريت ملحقا بالقصر ليُستعمل كاسطبل، وحظيرة للحيوانات.

 في عام 1930، عندما تم افتتاح المبنى كمتحف لما قبل التاريخ والإثنوغرافيا في الذكري المئوية للاستعمار في الجزائر، ومتحف باردو يعرض تحفا إثنوغرافية، والتي تنصب على دراسة المظاهر المادية للنشاط الإنساني من عادات وتقاليد متنوعة، وهي موزعة حسب المواضيع والمواد المشكلة لها، الحضري والريفي والصحراوي، لتعيد تشكيل مشاهد الحياة اليومية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2790723024363763&id=276903019079122

 في حين خُصِّص المُلحق لما قبل التاريخ. ومنذ ذلك الحين، دعي بمتحف باردو، ثم سمي بالمتحف الوطني باردو في عام 1985.
  يحتوي متحف الباردو عدة مجموعات من المقتنيات الهامة التي تعود لحضارات ما قبل التاريخ، تم جلبها ليس فقط من الجزائر ولكن أيضا من الخارج، من البلدان الإفريقية على وجه الخصوص.

  من بين المواقع في الجزائر التي جلبت منها هذه المقتنيات نجد: الطاسيلي والهقار، تغنيف في بسكرة، عين حنش في سطيف، المواقع العاترية في تبسة.


هذه المجموعات التي تتكون من مواد مختلفة كالمعادن ( الآلات الموسيقية )، الطين (الأواني الفخّارية )، الأصداف، الرسوم، الحجر والنقوش الصخرية.





كما أنّ الزائر للمتحف سيجد الهيكل العظمي لأميرة الصحراء ( الطوارق) تينهنان، مع كل المقنيات التي عثر عليها بالمدفن الذي دفنت فيه.

  المتحف  شأنه شأن جميع منازل جزائر بني مزغنة، يعبّر عن حضارة مغلقة أمام أعين المتطفلين من الخارج، السلالم مطلية بخزف أزرق، الدخول من باب ضخم ، ليتيح الوصول إلى باحة مزينة بحوض من الرخام، ونافورة بمياه نفاّثة.
 كما يمكن رؤية الديوان وهو صالون كبير كان صاحب البيت يقيم فيه الحفلات والمآدب، و الإجتماعات الهامة..



  كانت الجزائر قبلته الأولى، بعدما طُرد من قبل عائلته الحاكمة في تونس، ومنحه باي الجزائر في ذلك الوقت حق اللجوء السياسي، فاستقر بالعاصمة وشيد قصر "الباردو" الذي يعتبر من أجمل القصور في الجزائر.
  وتقول الروايات الواردة في شأن قصته أن سبب الطرد هو النزاع القائم على الحكم بين أفراد عائلته، وهو ما يفسر أصل كلمة "الباردو" التي تعبر عن استمرارية في الطراز الأندلسي المعروف في تونس في القرن 18 حيث يتواجد قصر الباردو المؤسس من قبل الحفصيين، وتعود تسمية "باردو" إلى الكلمة الإسبانية "البارادو" والتي تعني مكان مغطى بالورود.


  هذا المبنى الذي كان فيلا "فحص" في العهد العثماني في قلب الريف سابقا، والفحص يعني قصر يبنى خارج أسوار المدينة، والجزائر معروفة بقصور الفحص التي يستعملها أصحابها من البايات والطبقة البرجوازية لقضاء فصل الصيف والابتعاد عن مدينة القصبة مركز الدولة التي تحوي على الإدارة المركزية للحكم، حيث شيده الأمير "حاج بن عمار" على مساحة 1650 م2، وتتربع البناية على مساحة 1100 م2 وخصص مساحة 550 م2 لفناء القصر.
  ويقول المؤرخون إنه من بين القصور التي عاش أفرادها حياة الترف والرفاهية والسعادة، والمعروف عن الأمير "عمار" حبه الشديد لنسائه، وإعطائه الأولية للمرأة واحترامها، حيث خصص الأمير جناحا كاملا يطلق عليه "جناح المفضلات".
  

   الزائر للقصر يلمس الذوق الرفيع للأمير وتأثره بالطراز الأندلسي والعثماني على حد سواء، كما وظّف تشكيلة جميلة من الأجزاء الباعثة للحياة والصفاء، فنجد النافورة المهيأة في حوض ثماني الأضلاع، والتي تُرصع ساحة القصر، والحمام الذي كان يتردد عليه سكان القصر يومي الإثنين والخميس، كتقليد نصف أسبوعي للتبرك بهذين اليومين المباركين.

كما أننا نجد عدّة أركان في القصر، الماطبخ، والحمامات الواسعة، ركن الخياطة والتطريز، الحدائق والأفنية،  الساحة المزيّنة بحوض من الرخام، ونافورة مياه قبالة الديوان.

   في متحف الباردو نجد أن معظم الأبواب تمّت صناعتها بشكل صغير ومنخفض، ماعدا بعض الأبواب كالباب الرئيسي للقصر، والباب الذي يُطلّ على ساحة الديوان، وذلك لعدّة أسباب أهمها: 

  • من أجل الحُرمة.

  • من أجل الحماية من تقلّبات أحوال الطقس، فانخفاض الأبواب بهذا القدر الذي هي عليه في القصر، يبقي درجة الحرارة منخفظة دائما أيام الصيف، وتوفر دفئا كافيًا داخل الغرف في الأيام الباردة.

  • من أجل الإستعداد لمواجهة العدوّ، فانحناء العدو أثناء المداهمة وقت الحروب، يعطي الوقت الكافي من أجل مواجهته، والإنفلات من شرّه.

  • كما أن تذكير المرء بالتواضع لله عزّ وجلّ، سبب من الأسباب التي جعلت بناء الأبواب يتم بهذا الشكل.

     في قصر الباردو نجد أيضا ميزة أخرى تميّز أبوابه، وهي وجود النّح، وهو المِطرَق أو الجرس، وهناك نوعين من النّح، واحد كبير، والثاني أقلّ منه حجما بقليل، الأول صُمِّم خصّيصًا للرجال، والثاني للنساء والأطفال، فالقرع على الجرسين ( النّح )، يختلف صوته بين الكبير والأقل منه، وعلى أساسه يستعدّ الموجودون في الداخل لفتح الباب.

   النّح مصنوع من المعدن أو البرونز، وهو أداة مثبّتة بالأبواب تمكّن الزوار من اعلان حضورهم بالطرق على الباب بواسطة جزئها المتحرك مباشرة أو على جزء آخر من المِطرق.

   يمكن التّمعن في ثرائه الزخرفي، فمثل الحليّ يزيّن المِطرَق الباب بكل جمالية، وعلى العموم فإن المَطَارق مفيدة وزينة في آن واحد، فزخارفها العربية ونقوشها المذهلة جعلت منها ميداليات فريدة وخاصة بكلّ مسكن.

إن وضعها المزدوج على مختلف مستويات الباب يمكّن من استعمالها من طرف الزوار الراجلين والراكبين حصانا.

   هناك، مثل متداول في المجتمع الجزائري، نقول ( أضرب النّح )، ويقصد به غُضَّ الطرف عن أمر معيّن.

" العنصر الذي تجتمع من أجله فكرة الحُرمة".




   في متحف الباردو نجد الفوّارة قد صممت في وسط الدار بشكل له أبعاد مختلفة، فتواجدها وسط فناء الدار، يضفي جوا لطيفا داخل القصر، ولمسة جمالية متفرّدة تبعث على الحياة والإنتعاش لسكّان القصر.

أمّا أهم سبب في تواجدها هناك فيعود لكونها تساهم في حفظ الأسرار خلال الإجتماعات داخل الديوان.

فالصوت الذي تُصدره حركة الماء داخل النافورة، يعتبر عازلا فعّالا عن إنتقال أصوات المجتمعين ووصوله خارج  قاعة الإجتماع ( الديوان ).

   تتوسّط ساحة القصر شجرة القبرص أو شجرة السرو cyprès، أما بالنسبة للأعمدة والأسقفة ودواعم النوافذ والشرفات، فإن الخشب المصنوعة منه هو البلّوط المرّ، لأنه عازل جيّد للرطوبة ويعمّر طويلاً ( بسبب مرارته لا تدخله سوسة الخشب)، وهذا الخشب يجلب من مدينة آزفون بولاية تيزي وزو، وكلمة آزفون تعني العازفون أو المبدعون، وهذا مايفسّر أن أغلب العازفين على مختلف الآلات والفنانين من مدينة آزفون.

   وقد صمِّمت هذه الأعمدة والنوافذ والدعامات من الخشب أيضا من أجل الحماية من الزلازل، فكما هو معروف عن مدينة الجزائر أنّها مبنية على منطقة ذات نشاط زلزالي.

  في القصر نجد أهم جناح خاص بالأمير "الحاج بن عمر"، وهو جناح نسائه اللواتي كنّ يحضين بمكانة عظيمة عند الأمير، لذلك فقد قام بتخصيص غرفة سمّاها بغرفة المفضّلة، أو الغرفة المفضّلة وكلتا التسميتين صحيحة.

   فيذكر أنّ الحاج بن عمر كان يتّخذ من هذه الغرفة مكانا لعزلته، لأنّها تقع في موقع استراتيجي، فهي منعزلة تقريبا عن باقي أجنحة البيت، وبالتالي يجلس فيها ليتفرّد بخلوته ونشاطاته المنعزلة بعيدا عن الناس.

  وهي أيضا غرفة المفضّلة من نسائه في رواية أخرى.


https://www.instagram.com/p/B1CtOWkBkHW5Qt2hRJWwZ7btiM-epjikUEfwHo0/?igshid=73rfyqlc3x4y




   أما بالنسبة للزليّج، نجد أنه مختلف كليا عن بعضه البعض، الكثير من الألوان والأشكال والأنواع، يحتوي عليها القصربمختلف أجنحته وغرفه، ما يفسر التنّوع المعماري الذي تم بناء القصر به.

   حقًا يعتبر متحف الباردو من بين أجمل وأهم المعالم التاريخية والتحف الفنية المعمارية بالجزائر، يمزج بين الطابعين الأندلسي و العثماني، ويؤرخ لتاريخ طويل من الجمال والبساطة والعيش في كنف الهدوء والحياة البعيدة عن الفوضى والصخب. 



Tuesday, 10 November 2020

البرنوس للرجال كما النّساء، رمز الشهامة والبطولة والإستقرار

 البرنوس لباس الوقار التقليدي القديم ..حاكته الجدّات وتوراثه الأحفاد.



 
  البرنوس لباس تقليدي اشتهر قديما في أوساط الرجال، وهو عبارة عن معطف طويل او عباءة من الصوف أو وبر الجمال يضم غطاء مدببا الرأس، يكون مفتوحا من الأمام حتى منطقة الصدر اين تتم خياطته قليلا ليبدو مرتديه كأنه يملك جناحين.

وتشتهر به منطقة القبائل وتلمسان و مسعد بالجلفة، وقد اطلق ابن خلدون اسم اصحاب البرانس على البربر او الامازيغ، ويعرّف في كتابه ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر بلاد المغرب العربي بقوله: " حدود بلاد البربر تبتدئ حيث الرجال يرتدون البرنوس وتنتهي حيث الناس لا يأكلون الكسكسي".

والبرنوس أو أفرنوس عند القبائل وأعلاو عند الشاوية، لباس مقدس يوحي بعظمة ومقام من يلبسه، وعلى من يرتديه، أن يحترمه بعيدا عن أيّة رمزية دينية كانت.
المتأمل للبرنوس يجد أنه محاك بطريقة موحدة ومتساوية بدون تعقيدات، مايعكس ذلك النفوذ والعدل والحكمة السائدة في المجتمع الجزائري.

البحرينية بروين حبيب قالت: " عندما يسألك أحد: ما الحب ؟ فقط تأمل ما ترتدي من ملابس، ودقق في النسيج، لتعرف انه ليس سوى علاقات حب متواشجة ، ومتداخلة،ومتحدة متآلفة، متراكبة بعضها فوق أو جوار أو مقابل أو مع أو أمام بعض.."
هكذا يبدو المشهد للمتأمل جيدا للبرنوس، لأنه نسيج ممزوج متداخل من الحب والوقار، يلتف به الرجل الجزائري ويرتديه مانحا وجها آخر للشهامة والهيبة.


ولطالما ارتبط هذا اللباس بالمقاومة والإمامة جنبا الى جنب، وكان رمزا لهما ابّان الاستعمار الفرنسي، ثم تحول الى رمز للدولة بعد الاستقلال، وخير دليل على ذلك الأمير عبد القادر، الإمام عبد الحميد بن باديس اللذين يظهران دائما بالبرنوس، الشيخ البشير الابراهيمي والعربي التبسي، والرئيس هواري بومدين.


وقد كتب الروائي كفاح جرار رواية سماها  " اصحاب البرانس"، تحكي قصة عن أمازيغ بايعوا محمد صلى الله عليه وسلّم في بدايات الاسلام، وجرى بينهم الحديث المعروف ب " يا اهل المغرب".





تبدا صناعة البرنوس بمرحلة يجزّ فيها الصوف أو الوبر، ثم تغسل وتنقى وتجفف تحت أشعة الشمس، وتمشّط بالمشّاط، ثم تكشط بما يسمى القرداش، حتى تتفرق عناصر الصوف والوبر عن بعض، ولا تبقى كومة واحدة، ثم يأتي دور المغزل فيغزل الصوف او الوبر ليصبح خيوطا متساوية السمك ومن ثم تبدأ النسوة في نسج هذه الخيوط عبر المنسج اليدوي، وتستمر عملية النسج لشهور عدة تمتد من ثلاثة أشهر إلى تسعة أشهر، بحسب خفة يد المرأة التي تنسجه، وفي الاخير يُنقّى من الشوائب والزوائد ويخاط في منطقة الصدر أو ماتسمى ب "الصدارة " وهي عبارة عن شريط خاص يوضع في منطقة الصدر ويخاط ليضفي لمسة خاصة، ثم يغسل ويرتب البرنوس ليصبح جاهزا للبس.


ويعرف في اجتماع الوجهاء في منطقة القبائل، مايسمى ب " تاجماعت" او لجنة "حكماء القرية"، أنه من كان في هذا الاجتماع عليه أن يغطي رأسه بقلنسوة برنوسه، وبمجرد أن تسقط من على رأسه يتوقف عن الكلام، لان هذا يعني أنه قد تملكه الغضب ولا يستطيع مواصلة الحديث.


وكان الرجل الجزائري لا يستغني عن لبس برنوسه طوال السنة، ففي الشتاء هو درع واقي وجيد من قساوة البرد خصوصا في تلك الجبال التي تكسوها الثلوج، ولا يوجد أفضل من هذا الرداء الابيض القطني ليخفف من برد جبال جرجرة، فيغطي الرجل كامل جسمه بهذا الثوب الذي حاكته المرأة بكل حب وشغف لزوجها أو ابنها او اخيها، او باقي أقاربها.


أما خلال الصيف فلا مناص من هبوب رياح السيروكو أو الشهيلي الملتهبة الحارّة التي تلفح القرى والمداشر ، ما يجعل الرجل يضع برنوسه مطويا على اكتافه فيضفي ذلك على مظهره جمالية متفردة و يبدو أكثر أناقة، ويكون البرنوس  عازلا ممتازا لحرارة الجو.
ومن العادات الجميلة المتعلقة بالبرنوس ألاّ تخرج العروس الى بيت زوجها إلاّ ببرنوس والدها أو جدها أو برنوس أهل العريس،  وعند عتبة باب بيت عائلتها تدثّر به تفاؤلا بالخير والوقار والعفة والعزّ، ولا تزال هذه العادة تمارس الى غاية اليوم.


ونجد أن البرنوس حاضر في كل المناسبات كالختان والأعراس والأعياد وفي مناسبات التضامن والتكافل بين الناس كالوزيعة او " ثاوزيعث" وغيرها.


إنه شاهد من شواهد الموروث الثقافي للرجل الجزائري الأمازيغي الحرّ، في المقابل ترتدي النسوة ألبستهن التقليدية على حسب كل منطقة وتزينها بالحلي التقليدية التي تزيدها جمالا وأصالة.



ولا يمكن ان يجيء مولود حديث دون ان يحاك له برنوس يتباهى به مع اقرانه في قريته، كما ويصنع برنوس لكل طفل عند ختانه؛ ولا يهيئ  عريس جديد دون ان يحاك له برنوس جديد، يرتديه مطبقا قلنسوة البرنوس على رأسه حياء.

فيما يبدو ان البرنوس الحريري المطرز بالرموز البربرية قد أخذ مكان البرنوس القطني الأبيض التقليدي خاصة للعرائس، وهذا  لغلاء ثمن البرنوس التقليدي وندرته.


ومن المحزن ان نجد أن تقليد ارتداء البرنوس، قد تراجع كثيرا في وقتنا الحالي سواء في بلاد القبائل او منطقة الجنوب والهضاب العليا، لتبقى قلة قليلة ممن يتمسكون به يرتدونه بألوان مختلفة حسب المنطقة، فالابيض يصنع من الصوف الابيض للغنم، والبني والاسود يصنع من وبر الجمال والصوف الاسود أو البني للأغنام.


الشيوخ اكثر تمسكا بهذا التقليد، وبعض الشباب ممن يحاولون الحفاظ على هذا الموروث، خاصة وان البرنوس افضل لباس يقي من قساوة الثلوج، أين تنخفض  درجة الحرارة إلى أقل من الصفر بكثير.


في عام الفين واربعة عشر، انطلق المهرجان الأول للبرنوس بالجزائر، وكانت قرية حورة ببلدية بوزقن بولاية تيزي وزو، بتنظيم من الجمعية الثقافية " يعقوبي فرحات"، بالتعاون مع مديرية الثقافة للولاية، تتواصل هذه الاحتفالية لغاية اليوم، فقد شهد شهر أوت المنصرم الاحتفال بتظاهرة البرنوس للعام الخامس على التوالي، حيث  تعتبر هذه التظاهرة فرصة جميلة للتعريف بهذا الموروث الحرفي الثقافي، الذي يعبّر بكل صدق عن أصالة المجتمع الجزائري الأمازيغي، ومدى تنوعها تراثا وحرفة.


https://pin.it/2GCCHBv

وعن الموضوع تحدثنا مع الصحفّي والإعلاميّ صلاح الدين الأخضري، وصرّح لنا قائلا: "يهمني شخصيا أن يصنف البرنس لدى اليونسكو كميزة لأهل المغرب، وأردف قائلا:" سأعمل على ذلك، وسأسعى جاهدا من جهتي حتى يتبوأ هذا الموروث اللامادي مكانة بين باقي الموروثات. الثقافية في العالم ككل".


وعبّر لنا بعض من التقيناهم وسألناهم عن البرنوس، أنه موروث يساوي ثروة، كما تقول الحاجّة مريم، فيما أخبرتنا الخالة فاطمة أنه رمز "الستر"، أمّا عمي محمد فقد قال بأنٌه نعمة للابسه، وفخر لمن يحتفظ به ويقول أنه لطالما تهندم به بمناسبة أو بغيرها.


ومن الجيل الجديد تقول فلّة أنّ رؤيتها لوالدها وهو يتوشح بجناحي برنوسه تمنحها شعورا بالحماية والقوة التي يتركها منظر إرتداء والدها للبرنوس.


 


Friday, 18 September 2020

الجوائز الأدبية، أسماء كثيرة،كتاب ونصوص متنوعة، وجدل لا ينتهي!




إن الإبداع مجال للاختلاف والتميز، والجوائز الأديبة باتت في وطننا العربي صراعا من أجل الوصول الى النجومية، ففي غضون السنوات الثلاثة الاخيرة تمكنت بعض الجوائز من تصدير أسماء للرواية في الوطن العربي، وأصبحت الى وقت ما قيمة مضافة ترفع من شأن الحاصل عليها، او تحييده من تكرار التجربة.

غير أن اللغط الكبير الذي أثير في الآونة الاخيرة في الأوساط العربية حول طبيعة الجوائز وطريقة التتويج، فتحت باب السجال على مصراعيه أمام الكثيرين.


 الجوائز الأدبية تحتل شهرة عالمية واسعة، فمن التقاليد التي عرفت بها الأوساط الثقافية محليا أو خارجيا التحضير للجوائز الأدبية والذي يكون ناشطا على مدار العام.

 المهتمين بالأدب والإنتاج الثقافي بتنوعه يتتبعون أخبار الجوائز بشكل دوري، نوبل للآداب التي تمنح منذ سنة 1901 بصفة سنوية مازالت لحد الآن من أشهر الجوائز العالمية والأكثر متابعة نقديا وثقافيا، كما نجد جوائز مرموقة كجائزة غونكور le prix Goncourt التي تهتم بمجالات مختلفة كالرواية والقصة القصيرة، الشعر والسيرة الذاتية، والتي بدورها نجدها تُمنح منذ سنة 1903، جائزة فيميناFemina 1904 لها وزنها أيضا، وبالحديث عن الجوائز الأدبية المحترمة لا يمكن أن ننسى جائزة البوكر Booker البريطانية.

أما في العالم العربي والجزائر على وجه الخصوص نجد الكثير من الجوائز على غرار جائزة كاتب ياسين ، علي معاشي، الطاهر وطار،جائزة آسيا جبار الأخيرة وجوائز أخرى مازالت لغاية اليوم تحافظ على خطها ومصداقيتها في حين هناك جوائز أخرى اندثرت وهمشت وحتى التي فقدت مصداقيتها بسبب نقاط حساسة لم ينتبه لها القائمون على رأسها، لتكسب روح الأصلية والمصداقية فيها!

 كما أن الجزائر كما يعرف معظم العاملين في الوسط الثقافي تعد من البلدان السبّاقة إلى تأسيس الجوائز الأدبية، غير أن الحماس لجائزة ما حالما ينطفئ في بداياته، وتنطفئ معه الكثير من الفرص التي تجعل من بلدنا بلد الفرص الضائعة كما وصفته الكاتبة ربيعة جلطي يوما.

ما حدث لجائزة الآداب الكبرى التي أطلقها اتحاد الكتاب الجزائريين برئاسة الروائي مولود معمري بعد الاستقلال بسنتين، لتختفي الجائزة بعدها من الوجود لمجرد ظهور أسباب سياسية هزت الحياة السياسية في الجزائر آنذاك. وبعدها جائزة رئيس الجمهورية للكتاب الشباب "علي معاشي" التي احتفت بها وسائل الإعلام والصحافة بشكل مثير للإعجاب، ما يحصل مؤخرا حول جائزة البوكر،وغيرها من السجالات، يجعلنا نطرح تساؤلات عن الوضع العام للجوائز في بلادنا وفي العالم العربي عامة.

لماذا يهاجم بعض المتتبعين والمهتمين بمجال الجوائز بعض الكتاب والنصوص المشاركة؟

الكثير من التساؤلات التي تثار في كل مرة حول العملية التتويجية للكتاب ونصوصهم وأعمالهم الأدبية، فالكثير من الملاحظين اعتبروا الجوائز الأديبة تدخلا سياسيا في الفعل الكتابي لتحفيز العقل الإبداعي، في حين ذهب فريق آخر لاعتبارها فعل هيمنة على الكاتب، ليبقى أصل الجائزة حدثا ثقافيا تفاعليا بين المبدعين والمنظمين للجائزة وبين الناقدين والقراء والمهتمين بالنصوص على تنوعها وعلى اختلاف تقييماتها وتصنيفاتها.

يشكك البعض في مصداقية لجان التحكيم، كما يتم مهاجمة النصوص، وشخص الكاتب الفائز، ومهاجمة بلد الفائز واتهامه بالشراء "السياسي" للجائزة. 


في أحد منشوراته تعقيبا على الحملات الشرسة ومنشورات السخط والتهكم والسخرية والانتقاد اللاذع بعد إعلان مجموعة من روايات بعض الكتاب على غرار "رواية حطب سراييفو" للكاتب سعيد خطيبي، في قوائم جوائز أدبية، كتب الروائي سمير قسيمي قائلا:


"أحيانا أشعر أن مرض الجهوية لا يقتصر على الإدارة والسياسيين الجزائريين، بل أيضا على المثقفين والكتاب. حين تقرأ رواية يا صديقي، انس قرية ومدينة صاحبها، لا تخبرني انها جيدة، لان كاتبها من عشيرتك يا احمق."

مما يلاحظ  أن سبب اللغط القائم،اعتبار الكثير من النقاد والقراء والمتابعين أن النصوص الفائزة نفتقد الى درجة معينة من القيم الفنية، او حتى انها لا تستحق أن تتوّج من الأساس.


https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=384743219586046&id=100041511121408


الجوائز الأدبية في العالم العربي، بين المصداقية والخروج عن تقاليد الممارسة الصحيحة والصادقة للجوائز الأدبية في العالم


 يذكر ناجي أمين بن باطة الفائز بجائزة الجزائر تقرأ العام الماضي، عن روايته أوفردايف أن المبدع يميل إلى العمل أكثر، وتقديم الأفضل، عندما يتم تكريمه ودعمه ماديا ومعنويا، هذا الدعم الذي قد يكون بعدة صيغ لعل أشهرها هي المسابقات والجوائز الأدبية. 


 ويضيف انه مما لا شك فيه أن تعدد الجوائز الأدبية خاصة في الآونة الأخيرة هي مكسب ثقافي للوطن، حيث عكست هذه المسابقات حجم الإقبال الكبير للجزائريين على عالم القراءة والكتابة، واهتمامهم بها بعد سنين عجاف طوال في المجال الثقافي بصفة عامة!


 غير أنه لا بد من التنويه أن الكثير من الجهات المنظمة للعديد من الجوائز لم تتمكن من تسديد مستحقات الناجحين في تلك المسابقات، فلم تلتزم بالمدة الزمنية المحددة لتكريم الفائزين، مما أثر سلبا على سمعتها عند الكثير من النقاد و المتابعين، في حين أنها كانت قادرة على تفادي هذا الإحراج بسهولة، وهو الأمر الذي يستحق القليل من التنظيم والإنضباط والعقلانية في توصيف الأمور وتنظيمها.

 

 ويعقب بن باطة عن الجدل القائم بقوله: "لكن الأمر الملفت للانتباه هو ردود الأفعال السلبية الجارحة لبعض المحسوبين على القطاع الثقافي، وهذا لا يليق بمقامهم، إذ أن الكل معرض لأخطاء تنظيمية تلك التي عانت منها الإدارات القائمة على الجوائز، والتجريح الذي طالها من طرف هؤلاء لا مبرر له ولا فائدة منه."

 "علينا أن نتعلم الوفاء بوعودنا والإلتزام بكلمتنا من جهة، والتماس الأعذار للآخرين وتجنب التجريح من جهة أخرى، وإلا فلا مكان لنا مع عظماء المجال الثقافي حول العالم." يضيف بن باطة.


في حين تذهب الكاتبة والناقدة الأدبية منى صريفق الحائزة على جائزة كتارا  في النقد سنة 2019 الى القول بأن الأمر أصبح يميل شيئا فشيئا لنوع من الاختيارات غير المضبوطة، أو نوع من  الارتجالية، وإهمال عنيف للنقد وأهميته في جعل النصوص تستحق تتويجها كنصوص يحفل بها القارئ المهتم. 

تقول: "كنت غالبا ما أجد نفسي أطرح السؤال الآتي بعد كل ما أراه من هذه الممارسات الثقافية غير المرضية: هل يجب أن يتوج العمل الأدبي، او الإبداعي مهما كانت الظروف؟ هل فكرة عدم تتويج أي نص فكرة مبتذلة لهذه الدرجة لكي لا يتوج أي نص؟ في نظري أن تعترف اللّجان القائمة على الجوائز الأدبية بصفة خاصة - والأمر لا ينحصر مثلا على جائزة "علي معاشي" بل على كل الجوائز الأدبية في الجزائر- أنٔ كل المتنافسين في دورة في ذاتها غير مؤهلين للفوز بالجائزة، عوض إعطاء الجائزة لعمل لا يرقى نقديا لأن يكون حاملا لإسم الجائزة. 

وتضيف ضاحكة أتذكر في هذا السياق مثالا طريفا جرى بيني وبين صديقة نتحدث فيه عن الموضة، وعن كل ما فيها وما عليها "ماديا وجماليا" فبادرني سؤال، كيف لماركة مشهورة أن تبيع كل مستلزماتها بسعر يفوق الخيال لسبب واحد؛ هو أصالتها وقيمة سنوات تأسيسها! وكيف بجائزة أدبية مرموقة كبيرة تتعامل مع كتاب مرهفي الحس أو حتى كتاب آخرين يريدون نقدا لأعمالهم، ونظرة خالية من أي ملابسات أو مجاملات أو محاباة، أن تقدم اسمها لأي كان؟! ولا أعني أيا كان أنه إنقاص من قيمة المشاركين، بل المنافسة هي التي تجعل من فكرة العمل والتميز وإثبات الوجود وافتكاك شرعية محلية أمرا بالغ الخطورة وليس بالسهولة التي نراها في الجوائز الأدبية في الجزائر. ولم يتوقف الأمر في الساحة الثقافية في الجزائر على قهر المتنافسين أو حتى تهميشهم باختفاء أسماء الجوائز الأدبية، بل وصل الأمر إلى فضائح على العلن، كأن يتوج كاتب بجائزة، وفجأة يجد نفسه ينتظر دون جدوى إذ أن كل مستحقاته المتعلقة بالجائزة التي تنافس فيها نصه لم تصله بعد.

الكاتب أحمد عبد الكريم الذي توج بجائزة أدبية استحدثت مؤخرا عن دار نشر الجزائر تقرأ، بكل وزنه وثقله الأدبين، أرّقه ما يحصل من لغط، وما يفعله القائمون على رأس الجائزة، فينشر على مواقع التواصل الإجتماعية ما يعبّر به عن رفضه لممارسات الجائزة الأدبية التي أخلفت بوعودها التي قطعتها مع كل المتابعين للحركة الثقافية في الجزائر وليس معه فقط!

 كل الحقوق التي تُمنح للكاتب والتي تعبر عن مصداقية الجائزة وقوتها ومدى ممارستها لطابع الثقافة والبعد عن السياسة العمومية التي تقيد من حريتها تجدها بكل وضوح ترفض الامتثال لحقيقة كونها توجت كاتبا باسمها على أن نصّه خاض المنافسة، وبشهادة لجنة قراءة، من نقاد لا يستهان بهم كما ينوهون دائما. لتصل الأمور إلى هذه الحالة الشنيعة من الصمت المطبق، والبعد الذي لا يطاق عن تقديم أي استفسار أو توضيح يحفظ ماء وجه الجائزة الأدبية ولجنة القراءة والناقدة لكل الأعمال المشتركة!؟

جدل واسع ومستمر وصل حد عزوف الكثيرين عن المشاركة بنصوصهم، أو كأعضاء في لجنة التحكيم بسبب ما يحدث

     وإن كانت هذه الجوائز تعدت نطاق المحلية وأصبحت عالمية فإن هذا الأمر له أسبابه وتبعاته كذلك؛ باختلاف جغرافية الجائزة وحتى الهيئة التي تسهر على تقديمها للنخب المثقفة على أساس أنها عنصر فاعل في حركة ونشاط الحركة الثقافية في أي بلد كان.

   تتوالى الأسئلة عليّ تضيف "منى صريفق" من كل حدب وصوب: أين تكمن المصداقية فعلا؟!  في قراءة العمل الأدبي/ الإبداعي ثم تتويجه؟ أم تكمن في الهيئات المؤسسة للجائزة في حد ذاتها؟ هل فعلا هذا المستوى يليق بالجزائر كحاضرة ثقافية بها تعدد جغرافي مهول؟ يمنحنا التعدد والتنوع ما يمكن أن يعيش به عالم بأسره، أم أن فكرة استسهال الأدب والفن والجماليات المطلقة المتعلقة به، جعلت من هذه الجوائز أوكارا، بدل أن تكون ساحات واسعة للمنافسة الشريفة، التي تضمن للكاتب حقه ورمزيته المثقلة بالاحترام لكل ما يريد الإجابة عنه في عمله الأدبي والإبداعي؟

 جدلية قاتلة هي هذه الأوضاع التي نراها أمامنا على صفحات الفيسبوك وعلى صفحات الجرائد. أعتقد 'تضيف منى' أن فكرة احترام الأدب لا تنبع إلا من شخص يعرف تماما قيمته، ويعرف تماما ما يعني أنه يوجد كاتب يكتب من أجل حياة الآخرين. ولن يتحقق في الجزائر شيء اسمه جائزة أدبية مرموقة أصيلة إلا إذا كان هذا الاعتقاد راسخا فيها، فقيمة الأدب وقيمة الكاتب تمنحان الجائزة فخرا واستمرارية كما تمنح الجائزة شرعية يقتنصها الكاتب بكل قوة وثقة في أن عمله بالفعل قد تميز بين آلاف النصوص "بنية وجمالية وتأويلا للماضي والحاضر والمستقبل وفق توليفة يصنعها هو ضمن تجربته الخاصة من دون اعتبارات أو سياسات أو محاباة، مهما بلغت درجة قربه شخصيا من المحكمين أو قرب دار النشر بالجائزة المشارك فيها.

وفيما يتعلق بنتائج الجوائز التي تعرض عبر منصات أدبية مختلفة، تقول صريفق انها تتبعت مؤخرا نتائج العديد من الجوائز الأدبية على المستوى العربي، وكانت تحديدا متحفظة بشكل كامل عن الخوض في أي نقاش حولها،  لحين كونت فكرة عن الجائزة في حد ذاتها وعن هيئاتها المؤسسة وعن اللجان التي تتخيّرها هذه الجوائز الأدبية التي اكتسبت قيمة لا يستهان بها.

 و لأكون أكثر دقة تضيف منى صريفق، أردت معرفة طريقة تفكير غالبية المتتبعين لها من الجزائر،القراء والمثقفين والدارسين والمشاركين فيها. ووجدت أن نصوصا تظهر من العدم لمجرد ذكر أسمائهم في القوائم القصيرة والطويلة لهذه الجوائز! فينكب الدارسون عليها بشكل غريب، دراسة، ونشرا لآراء تقييمية، تنعدم فيها في مرات عدة مقاييس القراءة المحكمة، معرفة بأصل وجنس العمل الأدبي وانتهاء بطريقة كتابة الكاتب المشارك في هذه الجائزة. وتأكدت أن أغلبية المتتبعين للجوائز يناصرون الكتاب فقط لأنهم ينتمون إلى البلد ذاته، والثقافة ذاتها، و لأكون أكثر دقة المقاطعة ذاتها. متناسيين أن هذه المسابقات الأدبية المشهورة لها خلفية إعلامية قوية داخل الوطن العربي، ومصداقية لن أشكك فيها، ولكن أبدا لن أناقض اعتقادي في أن المدرسة الجمالية لحكام هذه الجوائز قد تختلف حتما من بلد لآخر، ومن طبيعة تفكير لأخرى. وأن تتويج نص على آخر لا يعني بتاتا أن نصوصا أخرى مشاركة فيها قد فشلت في تحقيق مبتغاها من الكتابة في حد ذاتها. ومن بين هذه الجوائز "الجائزة العالمية للرواية العربية" التي يطلق عليها جائزة البوكر العربية، والتي أفرحت الكثير من المتتبعين للثقافة والأدب في الجزائر بوصول أسماء جزائرية لقائمتيها الطويلة والقصيرة. 

لن أنكر فخري بوجود أسماء جزائرية، ولكن لكل متتبع طريقة معينة في فهم وتحليل الأمور، وأنا لي طريقتي الخاصة في رؤية الأمور بخاصة ما يتعلق بالنصوص الأدبية، وقد أتبنى في هذا المسلك رؤية تفكيكية دقيقة، مفادها أنني لا أقرأ لكل اسم تم نشر اسمه في قائمة من القوائم، بل أنا أقرأ لكل اسم في وقته وحيّزه المناسب، بعيدا عن بهرجات الإعلام، وعقلية الريفيوهات reviews الفيسبوكية المجاملة والمحابية لكل إسم تم ظهوره. حتى وإن كان الأمر يتطلب وجود ناقد يساير الموجة بكل حيثياتها. ولن نبتعد كثيرا عن هذه الجدلية التي رأيت ذاتها في جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، التي تم فيها تتويج أسماء مغربية لتبدأ معركة اللجان التي تقرأ الأعمال مع تنمر المتابعين من مختلف الربوع في كون الفائزين كلهم من بلد واحد ينتمي إليه الناقد الأساسي في لجنة التحكيم ، كل هذه التعليقات وكل هذا الكم الهائل من عدم التبصر في حقيقة الجائزة الأدبية يجعل من موقف الكاتب الذي يخوض حربا ضد اسم الجائزة -على قيمتها ورمزيتها - يقع من مزلق بالغ الخطورة، فهو يظهر جليا فكرة طمعه في الجائزة المالية بشكل ينقص كثيرا من هيبته ورمزيته ككاتب يحاول الخروج من هذه الحياة بأقل الخسائر المادية فداحة في حياته. توجد جوائز لا تعطي القيمة الحقيقية للكاتب، كما يوجد كاتب لا يعطي القيمة الحقيقة لما يكتب فتجده يسرع لاقتناص الجائزة بسبب عائدها المالي فحسب! وبين لجان محابية وجوائز تحدد أهدافها ومخططاتها القيّمة، وأخرى تهمل كل ما سبق ذكره من أهداف ومخططات، وكتاب يظلمون وآخرون يثورون ضد قرارات اللجان، نجد المتتبع لصفحات الثقافة تائها، وغير قادر على اختيار طرف رشيد يكمل معه مسيرة المعرفة الثقافية داخل الجزائر وخارجها.

بالعودة إلى ذات النقطة وهي مصداقية الجائزة ومحايدة لجان التحكيم، جوائز كالبوكر، وكتارا، الطيب صالح، الشارقة والعويس، و مؤخرا جائزة الجزائر تقرأ، باتت محل تشكيك لدى الكثير من النقاد ممن ترأسوا لجان تحكيم أو شاركوا كأعضاء، ما يجعل هناك آراء متباينة حول فوز كاتب على حساب آخر! وكثُر التساؤل عمّا إذا كان المنتج أو النص يستحق فعلا، وماذا عمّن استبعد او غييّب؟!

أهمية الجائزة تكمن في مصداقيتها وقوة لجنتها التحكيمية 

الأمر تخطى الحدود الحمراء، بل ووصل  إلى حد خسارة العديد من الجوائز لمصداقيتها، وإلى أبعد من ذلك، على خلفية الكثير من الفضائح المتعلقة بتهميش النصوص، وعدم قراءتها على حد قول الكثيرين، واستبعاد أسماء أدبية لها وزنها، وقيمتها الأديبة التي كانت سبّابقة في تناول مواضيع معظمها لم يسبقها إليها أحد، وعلى مدار أكثر من عشرين سنة من العطاء، والإنتاج الأدبي العزيز.

  ففي اتصال مطول ومتابعة لها زمنا ليس بالقصير، تواصلنا مع الكاتبة السورية لينا هويان الحسن، التي شاركت بالعديد من أعمالها في مسابقات عديدة وتوجت معظمها على مدار سنوات، تضيف في هذا الموضوع الذي أرّقها وقالت عنه إنها استهلكته، وهذا على خلفية قضيتها حول نصفها الاخير "ليست رصاصة تلك التي قالت بيلا" والتشابهات المريبة بينها وبين نص خالد خليفة عن نصه " لم يصدق عليهم احد" الذي شاركا بهما في جائزة البوكر لهذه السنة، بأن الجنة لم تقم بعملها كما ينبغي، كتبت منشورا عبر صفحتها على فيس بوك، ونشرت رأيها بوضوح في عدة حوارات لها، ومقابلات مع العديد من الجرائد العربية والمجلات قائلة: "المسألة باختصار أنني قررت عدم التعاون بحقيقة أن التشابهات والتقاطعات بين العملية تتجاوز حكما توارد الافكار، وعندما أثرت القضية كنت قد استشرت اكثر من ناقد له خبرة، وكذلك محامية مختصة بحقوق الملكية الفكرية، نشرت التفاصيل بوضوح ونقاط محددة لا تقبل الجدال على صفحتي بموقع فيسبوك، رغم معرفة أني سأخوض معركتي بيتك حقيقي، فالوسط الثقافي غالبا ما يفتقد للشجعان، بل أكثر من ذلك فالشلليات الأخطبوطية ولدت الشجاعة من قلوب قوم الثقافة! "

 وفي منشورا لها أيضا طرحت نقاط مهمة جاء فيها: "مساءلة للجنة تحكيم جائزة البوكر 2020 إذا حضراتكم قرأتم العملين باستعجال مثلا، ولم تلاحظوا التقاطعات ولا الأسلوبين شبه المتطابقين، ولا الفترة الزمنية ولا الأمكنة فهذه مصيبة وإذا قرأتم وانتبهتم و " طنشتم" وفقا لحسابات ماوراء الكواليس لا نعلمها فالمصيبة أعظم.

أتمنى أن تأتي الآراء النقدية من ضمائر نظيفة من التواطؤات، والتحيزات، مرّة واحدة فليثبت النقد روحا نظيفة وسليمة دون حسد واستذئاب."

وتضيف : "كما ترون أعلم منذ البداية اني البطلة الوحيدة في هذا القفز اليباب الذي أسميه وسط ثقافي. قطعا لن أرشح أعمالي في المستقبل لجائزة البوكر، في العام الماضي كنت في لجنة تحكيم الجزائر تقرأ، كرست وقتي لقراءة النصوص المرسلة لي، بل أكثر من ذلك كتبت تقرير يسلط الضوء على موضوع كل رواية، بالإضافة إلى التقييم، والكاتبة الجزائرية  هاجر قويدري التي تكبدت عناء ادارة مجموعة المحكمين تشهد لي بذلك، إذن من يكون محكّـما في لجنة يفترض أن يقرأ، والشيء الأكيد أن روايتي لم تقرأ من قبل لجنة تحكيم جائزة البوكر 2020، ساكتفي بهذا القدر من التعليق حول الموضوع، وقد ذكرت سابقا أنني لجأت الى المحكمة و سأحصل على حقي عبر القضاء." 




جوائز أدبية كثيرة ومختلفة، وجدل واسع حول أحقيتها واستحقاقها، بين الكتاب والقراء والنقاد.


القاص والشاعر العراقي عبد الهادي سعدون، في إحدى تصريحاتها لجريدة عربية، قال أن: " التشكيك بالجوائز وأهميتها من عدمه متداول في كل بلدان العالم، كما أنّ كثرتها تَتبع طبيعة هذا النوع الأدبي من غيره. الصحيح في هذا البحر من التلميحات والموافقات أو الرفض للجوائز هو الحرص على تشجيع الجوائز الحقيقية، ليس لقيمتها المادية بقدر قيمتها الفكرية والإبداعية."


ومن وجهة نظر الناقدة والمترجمة الفلسطينية أماني أبو رحمة فإن الجوائز الأدبية تعددت بشكل يثير التساؤلات فعلا حول الجوائز والقائمين عليها، ومن ينالها أيضاً.

وتبيّن أبو رحمة على الصعيد ذاته " أنه لم يترافق هذا الكم من الجوائز والمهرجانات بنهضة أدبية وفنية وبحثية أصيلة وجادة، لا في دول الخليج ولا في باقي الدول العربية ، بل رافقت الفضائح أغلب هذه الجوائز وكثير من الفائزين بها ومعظم أعمالهم.

 والناتج، بحوث مادة مكررة ،و مسروقة في أحايين أخرى، وأعمال لا ترقى للمستوى الأدبي المحترم،  ولجان تحكيم غير ذات صلة، تُعطي تقييمات انطباعية لا تُقنِع أحدًا حتى المتقدمين للجائزة، ويستمر السجال طويلا قبل الجائزة وبعدها، عن كواليسها وأهلية أعضاء لجانها، وأهمية العمل وظروف الفوز مما يفقدها الكثير من المصداقية، الأمر الذي وصل إلى أن بتنا نسمع مثلا إن جائزة ما ذهبت العام الماضي إلى مواطن ذلك البلد، وعليه فإن الفائز لهذا العالم لن يكون منه. حتى بات المراقب يستنتج الفائز بالجائزة قبل إعلان نتائجها استنادًا إلى معايير لا علاقة لها بالنص الإبداعي أو النقدي".

وتقدم أبو رحمة تساؤلات عدّة، منها: هل هذه موضوعية؟ ما علاقة الجنسية أو غيرها من الصفات أو العلاقات الشخصية والعامة بالإبداع؟

ليبقى هذا اللغط قائما، مادامت الجهات القائمة بعيدة عن المعنى الحقيقي لِاستحقاق ومنح الجائزة، الذي يجدر به نيلها، مالم تدخّل أي حسابات أخرى في قائمة شروط منحها للجائزة، وبعيدا عن المسائل الشخصية أو محاباة أطراف أخرى، حتى نرقى بالعمل الثقافي ونوصل جوائزنا العربية إلى مصاف  الجوائز الثقيلة والمحترمة، التي تقدر فيها الدول و تحترم كُتّابها ومُبدعِيها، بعيدا عن الحيّز الجغرافي الضيّق الذي ينتمون إليه أو الحسابات السياسية، والعرقية، والاِنتماءات المُشينَة التي ينسُبُونها للديّن والهوية، وعن الذرائع الواهية المتعلقة بالاستشهاد بالبحوث العلمية والشواهد التاريخية، واعتبارها سرقات، فقط من أجل أن يستبعد نص ويتقدم آخر. 


Monday, 10 August 2020

متاحف رئيسية سبعة الجزائر..زيارة المتاحف ثقافة غائبة!

 


تعد زيارة المتاحف ثقافة مهمة جدا يفتقد لها الانسان الجزائري، وعلى وجه الخصوص الطالب، بحجة ضيق الوقت وعدم تفرغه لذلك لانشغاله بالدراسة والبحث.


  تمتلك الجزائر سبعة متاحف رئيسية، كمتحف الباردو، وحصن 23، ومتحف خداوج العمياء، ومتحف سيرتا وغيرها.. وتعد تراث غني جدا ومتنوع. تستطيع بمقومات كثيرة أن تكون رائدة في مجال السياحة بكل أنواعها.

https://www.facebook.com/groups/720342405462605/permalink/763182211178624/

التراث له علاقة وطيدة بالهوية وما خلّفه الاستعمار الفرنسي من قمع للمواطن وابعاده عن كل ما يربطه بهويته، جعله يبتعد بالتوارث عن الاهتمام بتراثه وزيارة المتاحف والأماكن الأثرية!

المتحف كان عبارة عن مكان عرض قبل سنة 1997 بعد ذلك أصبحت المتاحف مؤسسات لها هياكلها وقوانينها التي تنظم الحركة الثقافية للاهتمام بالتراث والمواقع الاثرية.

حماية المعالم الاثرية امر مشروع غير اننا نفتقد لشيء مهم وهو كيف يمكن لنا ان نروّج لهذه المعالم؟

في حين نجد أن العديد من بلدان العالم كانت سبّاقة للاهتمام بالمتاحف والمواقع الاثرية بكافة أشكالها وأقرّت اتفاقيات ومعاهدات لذلك على غرار اتفاقية باريس واتفاقية لاهاي لحماية التراث.

المتحف هو المرآة العاكسة للإرث الثقافي والإنساني للفرد، بصفته بنك أو خزينة تعرّف زوارها بما كان يملك انسان الماضي من ثقافة وتاريخ وعادات.

وحينما نتكلم عن السبب الرئيسي لقلة الترويج لهذه الثقافة نجد بالدرجة الأولى نقص الوعي الإعلامي وحملات الترويج والاشهار للمتاحف والمحميات التراثية والثقافية بدرجة أولى في مجال الصحافة المكتوبة، فالجرائد نادرا ما تتكلم عن ذلك ثم تأتي وسائل الاعلام السمعية والبصرية، فالإذاعة والتلفزيون لا تقدم تفصيلا أو ربورتاج كاملا ومفصلا عن المتاحف عبر كامل ولايات الوطن، إلا ما كان في إطار التنويه لذلك في ثواني عابرة تشير إلى مكان هنا أو هناك!

ثم تأتي وسائل التواصل الاجتماعي والسوشيل ميديا التي على ما يبدو أظهرت وتُظهر أكثر اهتماما بمجال الإرث الثقافي للشعوب من سابقاتها من وسائل اعلام تقليدية.

ففي الجزائر على وجه التحديد نجد أن موقع فيس بوك خطى خطوة كبيرة وسبّاقة في مجال الترويج للاماكن السياحية والمتاحف خصوصا المفتوحة منها على الطبيعة والكل يشهد بذلك.

فعلى مدار السنة نشاهد الملايين من المنشورات التي تتحدث عن المواقع الاثرية وتدعو المهتمين للمشاركة في الرحلات السياحية والميدانية لزيارة هذه الأماكن الاثرية على مدار السنة.

الرحلات المدرسية لازالت تشهد حركة بطيئة من طرف القائمين على ذلك، لم تصل بعد للمستوى العالمي المطلوب على الأقل لتعريف التلميذ الجزائر على الأماكن الأثرية ومتاحف بلده التي يجهل وجود البعض منها تماما.

https://www.facebook.com/groups/1207313432621070/permalink/3582814105070979/

في ذات السياق تواصلنا مع الدكتورة سميرة أمبوعزة مختصة في التراث والمتاحف، وكان لها معنا دردشة خفيفة وممتعة عن موضوع المتاحف في الجزائر، والبلدان العربية.

تحدثت الدكتورة عن الأليات التي يجب أن تتخذها وزارة السياحة حتى نعزّز ثقافة زيارة المتاحف لدى المواطن الجزائري، وكيف يتم الترويج لذلك، إذ في معظم الأحيان -تقول الدكتورة- أننا عند التوجه إلى متاحفنا التي تعتبر موروث ثابت نجد أن عون الأمن هو الذي يقوم بدور إستقبال الزوّار، مع احترامنا لكل أعوان الأمن الذين يقومون بعمل جد حساس في حماية المتاحف وما يوجد فيها من تحف ووثائق، ومقتنيات.

في حين نجد متاحف دول أخرى توظف مضيّفات استقبال خصيصا للاهتمام بالزُوّار ورُوّاد المتاحف، يفرض عليهنّ شروط خاصة فيما يخص المظهر اللائق، وتقمن بالدور المنوط لهنّ على أكمل وجه.

لذلك على الدولة الجزائرية أن تخصص منصب مستقبل أو مضيّفة استقبال على رأس كل متحف عبر كافة متاحف  ولايات الوطن.

فمثلا -تظيف الدكتورة- أنه يتوجب علينا عند الولوج إلى المتحف وبمجرد التحدث مع المضيّفة تقديم  لكل زائر "منشور broucheur" فيه شرح ومخطط بسيط للمتحف حتى يسهل على الزائر التحرك بسهولة داخل المتحف، ومنشور آخر عن باقي المتاحف الأخرى المتواجدة بالمنطقةوكافة ولايات الوطن، حتى يكون هناك تنسيق بين جميع المتاحف.

ويكون هذا المنشور موحّد بين كل المتاحف.

وتنتقل بنا الدكتورة إلى نقطة أخرى أكثر عمقا وأهمية وهي  أنّنا لا نعتمد فقط على المناشير التي تشرح مداخل المتحف ومكوناته، لأن هناك من لا يعرف القراءة، أو يتكاسل عن القراءة ولا يجد وقتا لفتح طيّات المنشور الذي يوضع بين يديه، أو حتى أنه ربما لا يفهم بشكل واضح ما يوجد في المنشور، لذلك وجب مراعاة هذا الأمر، وبالتالي يتعيّن على كل متحف أن يوظّف مرشد سياحي يرافق الزوّار، ويعرفهم على جوانب المتحف المختلفة، ويشرح بطريقة بسيطة يفهمها الزائر البسيط الذي لا يملك ثقافة كافية عن أصل ذلك المتحف.

فكما يقال "رأيتُ الديار بعيني، لعليَّ أرى الديار بسمعي، ورأيت الديار بسمعي لعليَّ أراها بعيني".

وكل متحف يبعث بتقرير لوزارة السياحة عن عدد المرشدين الذين يحتاجهم للعمل في المتحف.

يجب أن يمتلك المرشد شهادة معيّنة تُؤهله للعمل كمرشد متحفي ودليل سياحي داخل المتحف سواء كان متحفا مغلقا داخل الأسوار أو الأبواب أو متحفا مفتوحا على الطبيعة.

يأخذ المرشد التكوينات والتربصات اللاّزمة، ويتقيد بنظام معيّن داخل المعهد الذي يدرس به من دورات تدريبية، بحيث تؤهله أكثر للعمل في هذا المجال. يستطيع من خلاله أن يجعل لهذا المكان الصامت روحا تتكلم! 

لأن المرشد سفير المكان المتواجد به، وهو النواة الأساسية التي يستطيع من خلالها المتحف إكتساب شعبية وإهتمام كبيرين عندما يؤدي عمله كما يجب وبحب، فلا يخرج الزاىر إلا وقد حظي بالمتعة التاريخية وحفاوة الإستقبال وغزارة المعلومة التي قد يوظفها في علم يدرسه أو مادة ينتجها، فنيا وثقافيا وسنيمائيا وإجتماعيا، وبالطبع تربويا.

فالبنسبة للدول التي تهتم فعليا بتراثها المتحفي، يعدّ الإهتمام بالزوار بشكل متكامل وظيفة المرشد السياحي الأولى، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يترك محافظ المتحف أو الباحث الذي يعمل داخل مخابر المتحف عمله، ويتوجه مع الزائر للتجول معهم ليُعرّفهم على المتحف ومقتنياته! 

على كل القائمين بهذا القطاع الحسّاس أن تتظافر مجهوداتهم جميعاويتم دمج العمل مع بعضهم البعض وتشجييع المرشدين السياحيين على بذل المزيد من الجهد والمثابرة وتجويد العمل وذلك بتوظيفهم ومنحهم فرص التكوين والتدريب والإمتيازات المثالية حتى يطوّروا من تقنيات جذب الزوّار ورُوّاد المتاحف، التي بقيت في كثير من الأحيان طيّ النسيان ولا يعرف المواطن البسيط الكثير من تاريخ بلاده القابع خلف جدران المتاحف، ولا يمكن بأي حال من الأحوال النهوض بقطاع ما لم تُسخّر له كل الإمكانات البشرية والمادية، وبالأخص الإستثمار بالثروة البشرية وتسليط الضوء على هذا النوع من السياحة إعلاميا، وذلك بتوجيه الأنظار نحو المتاحف، وبرمجة رحلات سياحية ترافقها معظم وسائل الاعلام، والإستعانة بالتكنولوجيا الرقمية والإعلام الالكتروني، وذلك  لتطوير الإهتمام بممتلكاتنا الثقافية وموروثنا الشعبي والمتحفي. 



 

 

الخط هندسة روحانية تتوهج كالشموع بأيادي صانعيها!

 


الخطاط إسماعيل عبد الجواد، فنان ساحر، تأخذك لوحاته إلى عوالم ممزوجة من الفن والفلسفة والتصوف والجمال، يرسم بالكلمات، حروفا من روح.


1- من هو إسماعيل عبد الجواد، ومتى بدأ إبداعه في رسم الخطوط العربية ليصل إلى هذا الحد من الجمال، وماذا يقول عن نفسه؟


• إسماعيل عبد الجواد هو النجل الأصغر لمعلم القرآن الطالب منصور عبد الجواد (من مشايخ منطقة الجنوب)، خطاط جزائري عصامي من مدينة تقرت، متحصل على دبلوم جامعي في الفلاحة، يشتغل حاليا في الإدارة والتعليم.

عشق الرسم والخط والفنون التشكيلية عموما منذ الصغر، إلا أنه تفرغ كليا للخط العربي قبل 5 أو 6 سنوات فقط، عمل جاهدا للانتقال به من الهواية إلى درجات الاحتراف، ويجتهد يوميا لتحسين وتطوير قدراته والتكوين الشخصي والبحث المستمر في هذا المجال...ومحاولا أيضا نشر ثقافة الخط العربي في المحيط الذي يعيش فيه.

ولتحقيق الأهداف يقول إسماعيل عبد الجواد وجب عليّ الاجتهاد والعمل والمحاولة وعدم اليأس، فالخط العربي رسالة عظيمة ثقيلة قد جمعت بين الفن والعلم، ولازلنا لحد الآن تلاميذ نتعلم من أساتذتنا من الجزائر وخارجها ومن عمالقة هذا الفن، الذين تركوا لنا إرثا عظيما.

فالإبداع في الخط العربي بالنسبة لي، هو أوّل ثمار مراحل كثيرة مررت بها، قد ألخصها في هذه النقاط وهي: - نبض وشغف بهذا الفن وقابلية تعلمه. - معرفة أوّلية عامة لعالم الخط العربي والتعرف على أنواعه لبناء أرضية علمية ثقافية. - محاولة اقتناء كراسات أو كتب الخط العربي. - بداية المشق (مصطلح في مجال الخط العربي يعني الكتابة المستمرة والتدريب على الحروف والتمرينات الخطية كمسودات) بالوسائل المتاحة. - متابعة الممارسة والتقرب من أستاذ في الخط العربي أو خطاط ذو خبرة لاختصار الطريق وتحليل بعض الأسرار وغيرها. - العمل المتواصل والاجتهاد في محاكاة أمشاق وكتابات الخطاطين ومعرفة طريقة تكوين اللوحات - المشاركة في المسابقات والمعارض والمهرجانات المحلية ثم الجهوية ثم الوطنية والدولية. - امتلاك الأدوات الاحترافية المختصة في ذلك.

- المحافظة على أساسيات وقواعد الخط العربي مهما تنوع إبداع الخطاط. - البحث المتواصل في هذا المجال ومحاولة نشر ثقافة الخط العربي ففيها طاقة ربانية تجعل مستواك يرتقي بمساعدتك للآخرين...

كل ذلك ويبقى جمال كتاباتنا ولوحاتنا نسبيا حيث يرتقي كل ما كان الخطاط صادقا مع نفسه روحانيا في إبداعه متواضعا في عمله.

 

2- كيف بدأتَ اهتمامك بالخط العربي، وكيف اكتشفت ذلك ومتى؟


  • بداياتي الأولى كانت من المدرسة القرآنية مثلي مثل كل أبناء المنطقة بمختلف أعمارهم، والتي تعتبر مرحلة أساسية في التكوين القاعدي، فحفظ القرآن يساعد كثيرا على تعلّم الكتابة الصحيحة بالحبر التقليدي (السمق) على اللوح بالإضافة إلى القراءة السليمة وأمور أخرى.

وما يتمم ذلك هو التعليم الابتدائي والتأثر بمعلمينا الذين كانوا يملكون كتابات رائعة وجميلة، مع تواجد حصص الخط والإملاء في منظومتنا التربوية آنذاك والتي ساهمت في تحسن الكتابة. وقد لا أخفي أن لعائلتي وإخوتي دورا هاما في مساعدتي على تحسين كتابتي منذ الصغر باعتبارهم جميعا يملكون خطوطا متميزة، وقد حدثوني على أني كنت كثير الرسم والتلوين.

وفي مرحلة المتوسط كنت صديقا للسبورة والطباشير ذلك الوقت بطلب من أساتذتي في مختلف المواد، مع مشاركتي في كتابة بعض المجلات المدرسية والاهتمام كثيرا بالرسم.

في الثانوية بدأ يزداد حبي للرسم والزخرفة، والخط العربي الذي حاولت معرفة بعض أنواعه وكتابة بعض اللافتات الإشهارية والتجارية، والبحث على بعض الكراسات والكتب التي كانت مفقودة آنذاك...لكن الاجتهاد بوسائل بسيطة وبما أوتيت كان كفيلا لأحتفظ بتوهج شمعة الخط العربي في قلبي.

وانتقالا إلى التعليم الجامعي (المعهد) حيث زاد الاهتمام أكثر بالتمرينات واقتناء بعض الكتب والبحث في تاريخ هذا الفن حتى وإن لم تكن كثيرة...لكن دوما ظروف الدراسة والعمل كانت تحول بين وبين التفرغ كليا للخط والاهتمام المطلق به.

وقد يكون صيف 2014 بدايتي الحقيقية والواقعية الثابتة في عالم الخط العربي، حيث بدأت في تحضير معرض شخصي أول لفن الخط العربي رأى النور في شهر مارس 2015 ببلديتي تبسبست بمدينة تقرت، وكانت هي نقطة انطلاقة في مسيرتي الفنية بعد توفيق العلي القدير.


 3- لكل واحد منّا شخص ما نتّخذه مدرسة، نسير على دربه أو ننهل منه ما يشغل ألبابنا ويُسري شغف المحاكاة فينا، الفنان المدرسة الذي أثّر في إسماعيل عبد الجواد عبر مراحل تكويناته المختلفة في مجال الخط العربي، من يكون؟


•قد يكون لأستاذنا شيخ الخطاطين في الجزائر الخطاط الدكتور محمد شريفي (أطال الله عمره) القسط الأوفر في زيادة عشق الخط العربي والعمل على استمرارية التعليم والتحسين والبحث، من خلال نصائحه وتوجيهاته، ملاحظاته وتصحيحاته التي سعدت بها في رسائله الشخصية الموجهة لي وأيضا كراساته المختلفة دروس الخط العربي لأشهر الخطوط العربية ومجموعة من مؤلفاته التي استفدت منها كثيرا وأخيرا لقائه في ملتقى ندوة عناية الجزائر بالمصحف الشريف إذ يعتبر من بين أشهر خطاطي المصاحف في الجزائر والعالم.

ولا أنسى توجيهات الأستاذ الخطاط عبد الحفيظ كينة بتقرت، والذي كانت بداياتي معه حيث عرفت جمال هذا الفن من خلال مكتبته الغنية بالمؤلفات...ومع وجود أساتذة وخطاطين في الجزائر خصوصا كالأستاذ الخطاط أمحمد صفارباتي الذي إلتقيته عديد المرات حيث قام بتصحيح بعض أمشاقي والأستاذ الخطاط عبد الرحيم مولاي أيضا والأستاذ الخطاط ياسين درادرة وغيرهم.

طبعا ناهيك عن أساتذتنا عمالقة هذا الفن قديما وحديثا، والذين تركوا لنا كم هائل من المخطوطات الأمشاق، كتب ومؤلفات، تراكيب ولوحات، أسرار وشروحات، نتردد عليها يوميا ونتعرف منها على أساليب وتقنيات وعدة أمور.


 4- يقال أن الخطّاط لا يعدّ فنّانا إلا إذا كان يتقن خطّ "الثلث"، ما هو نصيب هذا الخط الجميل من لوحات الفنّان إسماعيل عبد الجواد، وماهي أقرب الخطوط إلى قلبه؟


•قد لا أوافقك الرأي في ذلك، حيث صحيح أنّ لخط الثلث مرتبة عالية بين مختلف الخطوط الأخرى، وقد عرفنا ذلك من خلال لوحات مشاهير الخطاطين، وهذا لكثير من الاعتبارات، لكن إجادة أي خط من الخطوط تكفي لنعتبر الخطاط فنانا، فهي جميعها تعتمد على مقاييس وتقنيات ولها أساليب وتحليلات فنية، والإبداع فيها يمتع العيون لا محالة.

في أوّل مشاركة وطنية لي بورشة المدية نوفمبر 2015، تحصلت على جائزة لجنة التحكيم في خط الثلث الجلي، حينها تربّع خط "الثلث" على جل لوحاتي تقريبا، وأمشاقي وكتاباتي...فأصبحت في كل مشاركة وطنية أو دولية إلا ولوحة بخط الثلث تكن حاضرة...فقد وجدت فيه نفسي مع البحث والعمل وحب التركيب فيه والتوازن ومساحة البياض والسواد وتقنيات أخرى...

وأقرب الخطوط إلى قلبي طبعا الثلث أوّلها ثم خط التعليق "أو الفارسي" ثانيا، وخط "النسخ" ثالثا.


 5- كيف يقيّم إسماعيل عبد الجواد حركة الخط العربي في العالم العربي، والجزائر، وهل تجد أن ملتقيات الخط العربي وصالوناته ومهرجاناته، تعمل بقدر كاف للنهوض أكثر بهذا الفن الساحر والعريق في ذات الوقت؟


•إن حركة الخط العربي في الجزائر هي امتداد لصحوته في العالم العربي، وهي ثمرة عمل دؤوب واجتهاد جاد لأساتذة وخطاطين ومهتمين لهذا المجال، والذين ساهموا بصدق في مواصلة المسيرة وحفظ أمانة الخط العربي، وبفضلهم اشتدّ وزاد توهّج هذا الفن الأصيل وأصبح هناك كم هائل من المتعلمين من كلا الجنسين ومختلف الأعمار، مبتدئين وهواة وعصاميين أيضا، وصل منهم العديد لرتبة الخطاط المتميز حيث نال منهم عديد الأوسمة والجوائز دوليا ومثلوا الجزائر أحسن تمثيل عربيا وعالميا.

وأنوّه أيضا إلى الدور الكبير والفعال الذي لعبته بعض الجمعيات الوطنية في تأطير الورشات وإقامة المسابقات واستقطاب هواة الخط العربي ولم شمل الخطاطين مثال على ذلك: جمعية الراقم بالمدية، والجمعية الثقافية لمواهب الشباب ببسكرة، وجمعية المرسي بباتنة، وعديد الجمعيات التي تنشط في مجال الخط العربي والفنون الإسلامية...فصار الخط العربي ينال قدر كبير من الاهتمام من طرف الهيئات العليا للبلاد في صورة المهرجانات الدولية والملتقيات المغاربية والصالونات الوطنية.

أما ملتقيات الخط العربي وصالوناته ومهرجاناته، فهي لا زالت محطات هامة وضرورية تعمل على النهوض بهذا الفن الساحر والعريق، وتساعد الخطاط أو الهاوي والمبتدئ على الاحتكاك بالأساتذة للارتقاء بمستواه أو لمعرفة الجديد من إبداع وأساليب وأسرار، فقط قد تعاد صياغة بعض الأمور الإدارية والمادية والإشهارية حتى ننزل هذا الفن منزلته الحقيقية.


https://www.baianat.com/ar/books/arabic-calligraphy-culture/types-of-fonts-and-its-different-shapes



 6- في ظل سيطرة الرقمنة والتكنولوجيا على كافة الجوانب الحياتية للإنسان، كيف ترى مستقبل الخط العربي في البلدان العربية؟


•إن الخط العربي هو خط لغة القرآن، فالرعاية الإلهية لهذا الفن الأصيل مطلقة، ولن يقف شيء يحول دون انتشاره وتطوره في البلدان العربية مهما تعددت العراقيل أو الأسباب، وأياد الخط هي شموع منتشرة تتوهج بقوة أو تقل أحيانا لكن الرسالة مستمرة في ظل الرقمنة والتكنولوجيا.

هذه الأخيرة ساعدت كثيرا في نشر ثقافة الخط العربي وهذا ما نعيشه حاليا، وحتى الخطاط يجب عليه أن يكون متمكنا متكونا في جانب الرقمنة والتكنولوجيا لما لها من فوائد فنية تصميمية وإخراجية مختلفة...فكثرة مهرجانات ومسابقات وصالونات الخط في عالمنا العربي، وملتقى رمضان لكتابة المصحف الشريف خير دليل على ذلك، يجتمع فيها أشهر الخطاطين العرب ليقدموا أحسن ما جادت به أناملهم.


https://m.facebook.com/Ayman.Elgendycom/

7- لطالما تحضر الأشكال التي لها بعد فلسفي لثقافات معينة في العديد من لوحاتك، حدثنا عن هذا، وما هي أهمّ العناصر التي يعتمد عليها إسماعيل عبد الجواد في تشكيل ورسم لوحاته، وكيف تختار عناوين لوحاتك، هل هناك قصّة وراء كل عنوان؟


•إن إرث الخطاطين الأولين من لوحات وتراكيب وتصاميم وقوالب، مهما اختلفت أشكالها تعدّ مصدرا حقيقيا للخطاط، فقد كانوا يكتبون ويخطّون بكل جوارهم وحواسهم، وكما قيل الخط هندسة روحانية، من هذا المنطلق نجد فلسفة الخط العربي تؤثر على إبداع الخطاط وتلهمه في أعماله.

ومن أهم العناصر التي أعتمد عليها في تشكيل ورسم لوحاتي، أولا:اختيار النص المراد تشكيله وكتابته، وغالبا ما أكتب آيات من القرآن الكريم.
وثانيا: اختيار الخط المراد الكتابة به، إمّا ثلث أو تعليق، وأحيانا نسخ.
ثالثا: تصميم القالب الأوّلي والذي قد يتبع بقوالب أخرى حتى نصل إلى قالب وتصميم مقبول عموما وقد تستغرق هذه العملية أكثر من سنة.
رابعا: تحضير العناصر المادية من حبر وورق وأدوات مختلفة لتجسيد العمل النهائي انطلاقا من القالب.
خامسا: عملية الترتيش والمراقبة والمراجعة لتقديم عمل نظيف.
سادسا: تصميم الإطار والذي يجب أن يتأقلم وينسجم مع اللوحة (الإخراج الكامل).
أما عن اختيار عناوين اللوحات، فغالبا ما تكون عناوين لوحاتي هي آيات من القرآن الكريم مباشرة، وهي النص المراد تشكيله وكتابته، وفي هذا الأمر عندي طريقتين في الاختيار، أحيانا أختار الآية التي تومض في ذهني من جراء حدوث أمر ما في حياتي اليومية أو بزوغها في لحظة من اللحظات فأتذكرها وأسرع بجردها على ورق لأتأكّد من رسمها القرآني ثم أبدا في تحضير إخراجها الفني، وأحيانا أخرى أقوم بتصفح وقراءة المصحف الشريف فتمتزج نظرتي القرائية مع النظرة الفنية التصميمية على آية من الآيات فيقع عليها اختاري.


8- الخط العربي منذ نشأته من الكوفي والرقعة والنسخ وغيرها من أنواعه، إلى الرقمي المرتبط بمحركات البحث ومايكروسوفت، كيف ساهم الخط العربي بشكل ممتاز - كموروث ثقافي حضاري مهم- في تحديد هويّة المدن والأماكن والحواضر، وهل يعني هذا شيئا للخطاط إسماعيل عبد الجواد؟


•إن كل أنواع الخطوط العربية المختلفة المنتشرة في العالم وهي تعتبر موروث ثقافي حضاري في غاية الأهمية، جاءت تسميتها مرتبطة جلّها بالهوية، فالكوفي والمغربي والقيرواني والأندلسي والفارسي ارتبطت بمكان الظهور أو الانتشار والتطوير وهي صورة تعكس هويّة المدن والأماكن، أما الديواني وجلي الديواني وحروف التاج اقترنت بالسلطة الحاكمة والهيأة القانونية المشرّعة، أما الرقاع أو الإجازة فأظهر حلقة الربط والتواصل بين المعلم وتلميذه تكريسا لمنظومة التكوين والأستاذية، أما خط النسخ فنصّب نفسه أشهر الخطوط المتداولة من نسخ المصاحف والكتب المختلفة وتجريد المؤلفات، والثلث وغبار الحلية ارتبطا بأداة الكتابة الأساسية وهي القلم...وغيرها من الأسماء التي تتعرف من خلالها على حضارات في حقبات زمنية مختلفة تساعدك في البحث والمعرفة.


9- في مقابلة لك قلت بأنه على الخط العربي أن يعيش بيننا وفي حياتنا، فهو فن تشكيلي وهندسي ذو طابع روحاني مقدّس، كيف تشرح ذلك؟


•من منطلق أن الخط العربي هو موروث ثقافي وحضاري لنا، فلما لا نستغله في حياتنا ومحيطنا العمراني الهندسي الديكوري عوضا عن تركه وحصره بين معارض ومسابقات ولوحات فقط. يستطيع أن يتربّع على عرش الديكور العالمي إن وظّفناه أحسن توظيف، بل يمكننا تصديره للدول الأجنبية بكل فخر وثقة، قد ندخله في الصناعات التقليدية أو الحرفية أو المكتبية وغيرها، في ديكور المؤسسات والمدارس والشركات والأثاث، في الشوارع والطرقات والأحياء والهياكل.


10- الفن التشكيلي أسلوب من أساليب الترويج للثقافة والسياحة الوطنية من خلال اللوحات، كيف يرى إسماعيل عبد الجواد ذلك ؟


•الفن التشكيلي عموما هو المرآة العاكسة للمجتمعات ثقافيا وفنيا واجتماعيا وتاريخيا ووو...وقد استغل أحسن استغلال في عديد الدول عبر العالم، حيث أصبح الفن التشكيلي ركيزة أساسية معبّرة وصانعة لأسسيات الترويج لثقافة وسياحة أي بلد.

فهو أسلوب من أساليبه إن استطعنا أن نهتم به أكثر في بلادنا ونحدد أهداف لذلك مع استشارة المختصين لا غير، وتحضير وثيقة عمل سنوية تسطّر وفق خطوات عالية المستوى تعمل على إظهار الجانب الثقافي والسياحي لنا والذي نزخر به فعليا لتنوعه ولزخمه. وقد يساهم اقتصاديا أيضا، ما علينا سوى العمل الحقيقي في هذا الإتجاه والسير بخطى ثابتة مع توفير كل الإمكانات اللازمة للفنان التشكيلي حتى يبدع ولا حدود لأبداعه في وطنه، فقد يتمنى أيّ فنان في العالم التواجد في الجزائر لتنوعها الجغرافي والثقافي والسياحي والاجتماعي والطبيعي وغير ذلك.


 11- هل سبق لك أن احتكيت بخطاطين جزائريين أو شاركت في مناسبات جزائرية خاصة بالخط العربي على غرار المهرجان الدولي لفن الخط العربي الذي يقام كل سنة بالعاصمة الجزائر؟


•الحمد لله لقد وفقت في المشاركة في العديد من المهرجانات الوطنية للخط العربي والفنون التشكيلية بولايات مختلفة، منها المدية، ورقلة، جيجل، بسكرة، باتنة، الوادي، معسكر، الجزائر العاصمة، برج بوعريريج، وهران.

وقد سنح لي ذلك بالتعرف على أصدقاء وإخوة خطاطين مبدعين وأساتذة استفدنا خلالها من تجاربنا في فن الخط العربي وتبادلنا مستجدات هذا الفن والتعمق في أسراره ومجموعة أساليبه ولحد الآن أصبحنا نكوّن فريق كبير من مختلف ربوع الوطن، فالتواصل بيننا يوميا منذ 5 أو 6 سنوات وكل هذا بفضل الله.

أما بالنسبة للمهرجان الدولي لفن الخط لم تتح لي الفرصة للمشاركة فيه رغم أني أرسلت أعمالي مرتين، وأعمل جاهدا للمشاركة فيه إن شاء الله مستقبلا.


 12- بماذا يوصي إسماعيل عبد الجواد المهتمين بالخط العربي من الشباب الشغوف بتعلّمه والإبداع فيه؟


•طبعا بعد التوكل على الله، أوصيهم بالعمل والاجتهاد، الإيمان والصبر، المرحلية وتجنب الإسراع في قطف الثمار، التركيز على خط أو خطين فقط في البداية، المشق والتدريب المتواصل على الطريقة الصحيحة، اتّخاذ أستاذ خط إن أمكن لأنه يسهّل عليه ويختزل له مسافات طويلة، التحلي بالصدق والواقعية، تتبع أثر الخطاطين وأعمالهم، التزود ثقافيا وعلميا وتاريخيا في هذا الفن، مساعدة بعضهم البعض في ذلك من ورشات وجلسات ومعلومات وأسرار وأدوات.


13- هل هناك أعمال يحضر لها فناننا المبدع إسماعيل عبد الجواد، وهل هناك مخطوط أو عمل توثيقي تتحدث فيه عن أعمالك، وعن الخط العربي بشكل عام؟


•أجل لي ثلاثة أعمال جديدة بدأت في تحضيرها، لوحة ثلث جلي تركيب بيضوي، وأخرى تعليق جلي، وأخرى بخط النسخ، لا زلت مع لوحة الثلث لم تكتمل بعد.

وعندي مواضيع كالبحوث الصغيرة أريد إعدادها لتقديمهم في قادم المهرجانات والملتقيات، منها ما يخص تعليم الخط العربي للأطفال والشباب، وآخر حول المشق في الخط العربي، وموضوع حول تجربة الخطاط في الحياة الثقافية والفنية المجتمعية (تجربتي أنموذجا).


14- كلمة أخيرة يخص بها خطّاطنا مدوّنة ماسة وقُرّاءها الأعزاء، ولمَ لا تكون بمخطوط حصري؟


•في الأخير أود أن أقدم شكري وامتناني لـ "مدوّنة ماسة" المنبر الإعلامي الجزائري المتميز، ولقراءها الأعزاء، وكل زائريها، والتي أتاحت لي هذه الفرصة الطيبة للحديث عن الخط العربي ومسيرتي الفنية، وأنا بدوري أقدم لكم كتابة بخطي كهدية متواضعة أتمنى أن تنال إعجابكم. تقبلوا تحياتي.

الرشتة، عجينتها ومريقتها، طبق جزائري تحتفظ بخصوصيتها وأسرار طبخها وتقديمها

  تتعدد تقاليد الأكل الشعبي في البلدان عبر العالم، وهذا بحسب التموقع الجغرافي والتمازج السوسيولوجي والأنتروبولوجي، مما يدخل في مكونات الطعام...