Friday, 20 November 2020

قصر الباردو، تحفة معمارية تؤرخ لحياة عامرة بالهدوء والسكينة

   كلما دخلت قصرا من قصور الجزائر القديمة، كلما شدني المكان اليه، سحر البناء، الذي ينفرد به كل قصر، يجعلك مدهوشا مشبوبا بالذاكرة، تبحث عن كنه لما يحدث لك في تلك اللحظات المتقاربة بينها وبين الماضي!
القصور القديمة بحدائقها وفي صالاتها الواسعة وزليّجها المتفرد الصنع يمتزج عطره بأنفاسنا، لنصل إلى ذاك الزمن ونحن لم نبرح بعد مكاننا.
  قرّرت للحظة أن أسافر عبر هته القصور، وبدأت رحلتي وأنا أغمض عينيّ لأحلم أكثر بذلك الزمن، فصرح معماري كقصر الباردو لا يمكنك سوى أن تغمض عيّنيك، وتشرع نوافذ قلبك لتسافر عبر الزمن، وتدع خيالك يبحر دون قيود.
  للحظة ما وأنا أتجول هناك، تخيلت نفسي أنا محظية الأمير الحاج بن عمر، ولمَ لا؟ وقد وجدت في غرفتها كل ما أبحث عنه من راحة وسكينة وهدوء، لأكتب مذكراتي، وأدوّن أشعار الليل التي غالبا ما أنساها وأنا أعُدّ النجوم التي يتلاشى وهج بعضها تدريجيا كلما مرّ نيزك من هنا أو هناك.





  المتحف الوطني باردو في مدينة الجزائر، يقع في ضاحية الجزائر مصطفى باشا، بنيَ أواخر القرن الثامن عشر على يد ثري تونسي منفي في الجزائر "بن الحاج عمر"، ليكون بمثابة إقامة صيفية يستقبل فيها وجهاء المدينة.

سنة 1879 أضاف الفرنسي جوريت ملحقا بالقصر ليُستعمل كاسطبل، وحظيرة للحيوانات.

 في عام 1930، عندما تم افتتاح المبنى كمتحف لما قبل التاريخ والإثنوغرافيا في الذكري المئوية للاستعمار في الجزائر، ومتحف باردو يعرض تحفا إثنوغرافية، والتي تنصب على دراسة المظاهر المادية للنشاط الإنساني من عادات وتقاليد متنوعة، وهي موزعة حسب المواضيع والمواد المشكلة لها، الحضري والريفي والصحراوي، لتعيد تشكيل مشاهد الحياة اليومية خلال القرنين الثامن والتاسع عشر.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2790723024363763&id=276903019079122

 في حين خُصِّص المُلحق لما قبل التاريخ. ومنذ ذلك الحين، دعي بمتحف باردو، ثم سمي بالمتحف الوطني باردو في عام 1985.
  يحتوي متحف الباردو عدة مجموعات من المقتنيات الهامة التي تعود لحضارات ما قبل التاريخ، تم جلبها ليس فقط من الجزائر ولكن أيضا من الخارج، من البلدان الإفريقية على وجه الخصوص.

  من بين المواقع في الجزائر التي جلبت منها هذه المقتنيات نجد: الطاسيلي والهقار، تغنيف في بسكرة، عين حنش في سطيف، المواقع العاترية في تبسة.


هذه المجموعات التي تتكون من مواد مختلفة كالمعادن ( الآلات الموسيقية )، الطين (الأواني الفخّارية )، الأصداف، الرسوم، الحجر والنقوش الصخرية.





كما أنّ الزائر للمتحف سيجد الهيكل العظمي لأميرة الصحراء ( الطوارق) تينهنان، مع كل المقنيات التي عثر عليها بالمدفن الذي دفنت فيه.

  المتحف  شأنه شأن جميع منازل جزائر بني مزغنة، يعبّر عن حضارة مغلقة أمام أعين المتطفلين من الخارج، السلالم مطلية بخزف أزرق، الدخول من باب ضخم ، ليتيح الوصول إلى باحة مزينة بحوض من الرخام، ونافورة بمياه نفاّثة.
 كما يمكن رؤية الديوان وهو صالون كبير كان صاحب البيت يقيم فيه الحفلات والمآدب، و الإجتماعات الهامة..



  كانت الجزائر قبلته الأولى، بعدما طُرد من قبل عائلته الحاكمة في تونس، ومنحه باي الجزائر في ذلك الوقت حق اللجوء السياسي، فاستقر بالعاصمة وشيد قصر "الباردو" الذي يعتبر من أجمل القصور في الجزائر.
  وتقول الروايات الواردة في شأن قصته أن سبب الطرد هو النزاع القائم على الحكم بين أفراد عائلته، وهو ما يفسر أصل كلمة "الباردو" التي تعبر عن استمرارية في الطراز الأندلسي المعروف في تونس في القرن 18 حيث يتواجد قصر الباردو المؤسس من قبل الحفصيين، وتعود تسمية "باردو" إلى الكلمة الإسبانية "البارادو" والتي تعني مكان مغطى بالورود.


  هذا المبنى الذي كان فيلا "فحص" في العهد العثماني في قلب الريف سابقا، والفحص يعني قصر يبنى خارج أسوار المدينة، والجزائر معروفة بقصور الفحص التي يستعملها أصحابها من البايات والطبقة البرجوازية لقضاء فصل الصيف والابتعاد عن مدينة القصبة مركز الدولة التي تحوي على الإدارة المركزية للحكم، حيث شيده الأمير "حاج بن عمار" على مساحة 1650 م2، وتتربع البناية على مساحة 1100 م2 وخصص مساحة 550 م2 لفناء القصر.
  ويقول المؤرخون إنه من بين القصور التي عاش أفرادها حياة الترف والرفاهية والسعادة، والمعروف عن الأمير "عمار" حبه الشديد لنسائه، وإعطائه الأولية للمرأة واحترامها، حيث خصص الأمير جناحا كاملا يطلق عليه "جناح المفضلات".
  

   الزائر للقصر يلمس الذوق الرفيع للأمير وتأثره بالطراز الأندلسي والعثماني على حد سواء، كما وظّف تشكيلة جميلة من الأجزاء الباعثة للحياة والصفاء، فنجد النافورة المهيأة في حوض ثماني الأضلاع، والتي تُرصع ساحة القصر، والحمام الذي كان يتردد عليه سكان القصر يومي الإثنين والخميس، كتقليد نصف أسبوعي للتبرك بهذين اليومين المباركين.

كما أننا نجد عدّة أركان في القصر، الماطبخ، والحمامات الواسعة، ركن الخياطة والتطريز، الحدائق والأفنية،  الساحة المزيّنة بحوض من الرخام، ونافورة مياه قبالة الديوان.

   في متحف الباردو نجد أن معظم الأبواب تمّت صناعتها بشكل صغير ومنخفض، ماعدا بعض الأبواب كالباب الرئيسي للقصر، والباب الذي يُطلّ على ساحة الديوان، وذلك لعدّة أسباب أهمها: 

  • من أجل الحُرمة.

  • من أجل الحماية من تقلّبات أحوال الطقس، فانخفاض الأبواب بهذا القدر الذي هي عليه في القصر، يبقي درجة الحرارة منخفظة دائما أيام الصيف، وتوفر دفئا كافيًا داخل الغرف في الأيام الباردة.

  • من أجل الإستعداد لمواجهة العدوّ، فانحناء العدو أثناء المداهمة وقت الحروب، يعطي الوقت الكافي من أجل مواجهته، والإنفلات من شرّه.

  • كما أن تذكير المرء بالتواضع لله عزّ وجلّ، سبب من الأسباب التي جعلت بناء الأبواب يتم بهذا الشكل.

     في قصر الباردو نجد أيضا ميزة أخرى تميّز أبوابه، وهي وجود النّح، وهو المِطرَق أو الجرس، وهناك نوعين من النّح، واحد كبير، والثاني أقلّ منه حجما بقليل، الأول صُمِّم خصّيصًا للرجال، والثاني للنساء والأطفال، فالقرع على الجرسين ( النّح )، يختلف صوته بين الكبير والأقل منه، وعلى أساسه يستعدّ الموجودون في الداخل لفتح الباب.

   النّح مصنوع من المعدن أو البرونز، وهو أداة مثبّتة بالأبواب تمكّن الزوار من اعلان حضورهم بالطرق على الباب بواسطة جزئها المتحرك مباشرة أو على جزء آخر من المِطرق.

   يمكن التّمعن في ثرائه الزخرفي، فمثل الحليّ يزيّن المِطرَق الباب بكل جمالية، وعلى العموم فإن المَطَارق مفيدة وزينة في آن واحد، فزخارفها العربية ونقوشها المذهلة جعلت منها ميداليات فريدة وخاصة بكلّ مسكن.

إن وضعها المزدوج على مختلف مستويات الباب يمكّن من استعمالها من طرف الزوار الراجلين والراكبين حصانا.

   هناك، مثل متداول في المجتمع الجزائري، نقول ( أضرب النّح )، ويقصد به غُضَّ الطرف عن أمر معيّن.

" العنصر الذي تجتمع من أجله فكرة الحُرمة".




   في متحف الباردو نجد الفوّارة قد صممت في وسط الدار بشكل له أبعاد مختلفة، فتواجدها وسط فناء الدار، يضفي جوا لطيفا داخل القصر، ولمسة جمالية متفرّدة تبعث على الحياة والإنتعاش لسكّان القصر.

أمّا أهم سبب في تواجدها هناك فيعود لكونها تساهم في حفظ الأسرار خلال الإجتماعات داخل الديوان.

فالصوت الذي تُصدره حركة الماء داخل النافورة، يعتبر عازلا فعّالا عن إنتقال أصوات المجتمعين ووصوله خارج  قاعة الإجتماع ( الديوان ).

   تتوسّط ساحة القصر شجرة القبرص أو شجرة السرو cyprès، أما بالنسبة للأعمدة والأسقفة ودواعم النوافذ والشرفات، فإن الخشب المصنوعة منه هو البلّوط المرّ، لأنه عازل جيّد للرطوبة ويعمّر طويلاً ( بسبب مرارته لا تدخله سوسة الخشب)، وهذا الخشب يجلب من مدينة آزفون بولاية تيزي وزو، وكلمة آزفون تعني العازفون أو المبدعون، وهذا مايفسّر أن أغلب العازفين على مختلف الآلات والفنانين من مدينة آزفون.

   وقد صمِّمت هذه الأعمدة والنوافذ والدعامات من الخشب أيضا من أجل الحماية من الزلازل، فكما هو معروف عن مدينة الجزائر أنّها مبنية على منطقة ذات نشاط زلزالي.

  في القصر نجد أهم جناح خاص بالأمير "الحاج بن عمر"، وهو جناح نسائه اللواتي كنّ يحضين بمكانة عظيمة عند الأمير، لذلك فقد قام بتخصيص غرفة سمّاها بغرفة المفضّلة، أو الغرفة المفضّلة وكلتا التسميتين صحيحة.

   فيذكر أنّ الحاج بن عمر كان يتّخذ من هذه الغرفة مكانا لعزلته، لأنّها تقع في موقع استراتيجي، فهي منعزلة تقريبا عن باقي أجنحة البيت، وبالتالي يجلس فيها ليتفرّد بخلوته ونشاطاته المنعزلة بعيدا عن الناس.

  وهي أيضا غرفة المفضّلة من نسائه في رواية أخرى.


https://www.instagram.com/p/B1CtOWkBkHW5Qt2hRJWwZ7btiM-epjikUEfwHo0/?igshid=73rfyqlc3x4y




   أما بالنسبة للزليّج، نجد أنه مختلف كليا عن بعضه البعض، الكثير من الألوان والأشكال والأنواع، يحتوي عليها القصربمختلف أجنحته وغرفه، ما يفسر التنّوع المعماري الذي تم بناء القصر به.

   حقًا يعتبر متحف الباردو من بين أجمل وأهم المعالم التاريخية والتحف الفنية المعمارية بالجزائر، يمزج بين الطابعين الأندلسي و العثماني، ويؤرخ لتاريخ طويل من الجمال والبساطة والعيش في كنف الهدوء والحياة البعيدة عن الفوضى والصخب. 



Tuesday, 10 November 2020

البرنوس للرجال كما النّساء، رمز الشهامة والبطولة والإستقرار

 البرنوس لباس الوقار التقليدي القديم ..حاكته الجدّات وتوراثه الأحفاد.



 
  البرنوس لباس تقليدي اشتهر قديما في أوساط الرجال، وهو عبارة عن معطف طويل او عباءة من الصوف أو وبر الجمال يضم غطاء مدببا الرأس، يكون مفتوحا من الأمام حتى منطقة الصدر اين تتم خياطته قليلا ليبدو مرتديه كأنه يملك جناحين.

وتشتهر به منطقة القبائل وتلمسان و مسعد بالجلفة، وقد اطلق ابن خلدون اسم اصحاب البرانس على البربر او الامازيغ، ويعرّف في كتابه ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر بلاد المغرب العربي بقوله: " حدود بلاد البربر تبتدئ حيث الرجال يرتدون البرنوس وتنتهي حيث الناس لا يأكلون الكسكسي".

والبرنوس أو أفرنوس عند القبائل وأعلاو عند الشاوية، لباس مقدس يوحي بعظمة ومقام من يلبسه، وعلى من يرتديه، أن يحترمه بعيدا عن أيّة رمزية دينية كانت.
المتأمل للبرنوس يجد أنه محاك بطريقة موحدة ومتساوية بدون تعقيدات، مايعكس ذلك النفوذ والعدل والحكمة السائدة في المجتمع الجزائري.

البحرينية بروين حبيب قالت: " عندما يسألك أحد: ما الحب ؟ فقط تأمل ما ترتدي من ملابس، ودقق في النسيج، لتعرف انه ليس سوى علاقات حب متواشجة ، ومتداخلة،ومتحدة متآلفة، متراكبة بعضها فوق أو جوار أو مقابل أو مع أو أمام بعض.."
هكذا يبدو المشهد للمتأمل جيدا للبرنوس، لأنه نسيج ممزوج متداخل من الحب والوقار، يلتف به الرجل الجزائري ويرتديه مانحا وجها آخر للشهامة والهيبة.


ولطالما ارتبط هذا اللباس بالمقاومة والإمامة جنبا الى جنب، وكان رمزا لهما ابّان الاستعمار الفرنسي، ثم تحول الى رمز للدولة بعد الاستقلال، وخير دليل على ذلك الأمير عبد القادر، الإمام عبد الحميد بن باديس اللذين يظهران دائما بالبرنوس، الشيخ البشير الابراهيمي والعربي التبسي، والرئيس هواري بومدين.


وقد كتب الروائي كفاح جرار رواية سماها  " اصحاب البرانس"، تحكي قصة عن أمازيغ بايعوا محمد صلى الله عليه وسلّم في بدايات الاسلام، وجرى بينهم الحديث المعروف ب " يا اهل المغرب".





تبدا صناعة البرنوس بمرحلة يجزّ فيها الصوف أو الوبر، ثم تغسل وتنقى وتجفف تحت أشعة الشمس، وتمشّط بالمشّاط، ثم تكشط بما يسمى القرداش، حتى تتفرق عناصر الصوف والوبر عن بعض، ولا تبقى كومة واحدة، ثم يأتي دور المغزل فيغزل الصوف او الوبر ليصبح خيوطا متساوية السمك ومن ثم تبدأ النسوة في نسج هذه الخيوط عبر المنسج اليدوي، وتستمر عملية النسج لشهور عدة تمتد من ثلاثة أشهر إلى تسعة أشهر، بحسب خفة يد المرأة التي تنسجه، وفي الاخير يُنقّى من الشوائب والزوائد ويخاط في منطقة الصدر أو ماتسمى ب "الصدارة " وهي عبارة عن شريط خاص يوضع في منطقة الصدر ويخاط ليضفي لمسة خاصة، ثم يغسل ويرتب البرنوس ليصبح جاهزا للبس.


ويعرف في اجتماع الوجهاء في منطقة القبائل، مايسمى ب " تاجماعت" او لجنة "حكماء القرية"، أنه من كان في هذا الاجتماع عليه أن يغطي رأسه بقلنسوة برنوسه، وبمجرد أن تسقط من على رأسه يتوقف عن الكلام، لان هذا يعني أنه قد تملكه الغضب ولا يستطيع مواصلة الحديث.


وكان الرجل الجزائري لا يستغني عن لبس برنوسه طوال السنة، ففي الشتاء هو درع واقي وجيد من قساوة البرد خصوصا في تلك الجبال التي تكسوها الثلوج، ولا يوجد أفضل من هذا الرداء الابيض القطني ليخفف من برد جبال جرجرة، فيغطي الرجل كامل جسمه بهذا الثوب الذي حاكته المرأة بكل حب وشغف لزوجها أو ابنها او اخيها، او باقي أقاربها.


أما خلال الصيف فلا مناص من هبوب رياح السيروكو أو الشهيلي الملتهبة الحارّة التي تلفح القرى والمداشر ، ما يجعل الرجل يضع برنوسه مطويا على اكتافه فيضفي ذلك على مظهره جمالية متفردة و يبدو أكثر أناقة، ويكون البرنوس  عازلا ممتازا لحرارة الجو.
ومن العادات الجميلة المتعلقة بالبرنوس ألاّ تخرج العروس الى بيت زوجها إلاّ ببرنوس والدها أو جدها أو برنوس أهل العريس،  وعند عتبة باب بيت عائلتها تدثّر به تفاؤلا بالخير والوقار والعفة والعزّ، ولا تزال هذه العادة تمارس الى غاية اليوم.


ونجد أن البرنوس حاضر في كل المناسبات كالختان والأعراس والأعياد وفي مناسبات التضامن والتكافل بين الناس كالوزيعة او " ثاوزيعث" وغيرها.


إنه شاهد من شواهد الموروث الثقافي للرجل الجزائري الأمازيغي الحرّ، في المقابل ترتدي النسوة ألبستهن التقليدية على حسب كل منطقة وتزينها بالحلي التقليدية التي تزيدها جمالا وأصالة.



ولا يمكن ان يجيء مولود حديث دون ان يحاك له برنوس يتباهى به مع اقرانه في قريته، كما ويصنع برنوس لكل طفل عند ختانه؛ ولا يهيئ  عريس جديد دون ان يحاك له برنوس جديد، يرتديه مطبقا قلنسوة البرنوس على رأسه حياء.

فيما يبدو ان البرنوس الحريري المطرز بالرموز البربرية قد أخذ مكان البرنوس القطني الأبيض التقليدي خاصة للعرائس، وهذا  لغلاء ثمن البرنوس التقليدي وندرته.


ومن المحزن ان نجد أن تقليد ارتداء البرنوس، قد تراجع كثيرا في وقتنا الحالي سواء في بلاد القبائل او منطقة الجنوب والهضاب العليا، لتبقى قلة قليلة ممن يتمسكون به يرتدونه بألوان مختلفة حسب المنطقة، فالابيض يصنع من الصوف الابيض للغنم، والبني والاسود يصنع من وبر الجمال والصوف الاسود أو البني للأغنام.


الشيوخ اكثر تمسكا بهذا التقليد، وبعض الشباب ممن يحاولون الحفاظ على هذا الموروث، خاصة وان البرنوس افضل لباس يقي من قساوة الثلوج، أين تنخفض  درجة الحرارة إلى أقل من الصفر بكثير.


في عام الفين واربعة عشر، انطلق المهرجان الأول للبرنوس بالجزائر، وكانت قرية حورة ببلدية بوزقن بولاية تيزي وزو، بتنظيم من الجمعية الثقافية " يعقوبي فرحات"، بالتعاون مع مديرية الثقافة للولاية، تتواصل هذه الاحتفالية لغاية اليوم، فقد شهد شهر أوت المنصرم الاحتفال بتظاهرة البرنوس للعام الخامس على التوالي، حيث  تعتبر هذه التظاهرة فرصة جميلة للتعريف بهذا الموروث الحرفي الثقافي، الذي يعبّر بكل صدق عن أصالة المجتمع الجزائري الأمازيغي، ومدى تنوعها تراثا وحرفة.


https://pin.it/2GCCHBv

وعن الموضوع تحدثنا مع الصحفّي والإعلاميّ صلاح الدين الأخضري، وصرّح لنا قائلا: "يهمني شخصيا أن يصنف البرنس لدى اليونسكو كميزة لأهل المغرب، وأردف قائلا:" سأعمل على ذلك، وسأسعى جاهدا من جهتي حتى يتبوأ هذا الموروث اللامادي مكانة بين باقي الموروثات. الثقافية في العالم ككل".


وعبّر لنا بعض من التقيناهم وسألناهم عن البرنوس، أنه موروث يساوي ثروة، كما تقول الحاجّة مريم، فيما أخبرتنا الخالة فاطمة أنه رمز "الستر"، أمّا عمي محمد فقد قال بأنٌه نعمة للابسه، وفخر لمن يحتفظ به ويقول أنه لطالما تهندم به بمناسبة أو بغيرها.


ومن الجيل الجديد تقول فلّة أنّ رؤيتها لوالدها وهو يتوشح بجناحي برنوسه تمنحها شعورا بالحماية والقوة التي يتركها منظر إرتداء والدها للبرنوس.


 


الرشتة، عجينتها ومريقتها، طبق جزائري تحتفظ بخصوصيتها وأسرار طبخها وتقديمها

  تتعدد تقاليد الأكل الشعبي في البلدان عبر العالم، وهذا بحسب التموقع الجغرافي والتمازج السوسيولوجي والأنتروبولوجي، مما يدخل في مكونات الطعام...