إن الإبداع مجال للاختلاف والتميز، والجوائز الأديبة باتت في وطننا العربي صراعا من أجل الوصول الى النجومية، ففي غضون السنوات الثلاثة الاخيرة تمكنت بعض الجوائز من تصدير أسماء للرواية في الوطن العربي، وأصبحت الى وقت ما قيمة مضافة ترفع من شأن الحاصل عليها، او تحييده من تكرار التجربة.
غير أن اللغط الكبير الذي أثير في الآونة الاخيرة في الأوساط العربية حول طبيعة الجوائز وطريقة التتويج، فتحت باب السجال على مصراعيه أمام الكثيرين.
الجوائز الأدبية تحتل شهرة عالمية واسعة، فمن التقاليد التي عرفت بها الأوساط الثقافية محليا أو خارجيا التحضير للجوائز الأدبية والذي يكون ناشطا على مدار العام.
المهتمين بالأدب والإنتاج الثقافي بتنوعه يتتبعون أخبار الجوائز بشكل دوري، نوبل للآداب التي تمنح منذ سنة 1901 بصفة سنوية مازالت لحد الآن من أشهر الجوائز العالمية والأكثر متابعة نقديا وثقافيا، كما نجد جوائز مرموقة كجائزة غونكور le prix Goncourt التي تهتم بمجالات مختلفة كالرواية والقصة القصيرة، الشعر والسيرة الذاتية، والتي بدورها نجدها تُمنح منذ سنة 1903، جائزة فيميناFemina 1904 لها وزنها أيضا، وبالحديث عن الجوائز الأدبية المحترمة لا يمكن أن ننسى جائزة البوكر Booker البريطانية.
أما في العالم العربي والجزائر على وجه الخصوص نجد الكثير من الجوائز على غرار جائزة كاتب ياسين ، علي معاشي، الطاهر وطار،جائزة آسيا جبار الأخيرة وجوائز أخرى مازالت لغاية اليوم تحافظ على خطها ومصداقيتها في حين هناك جوائز أخرى اندثرت وهمشت وحتى التي فقدت مصداقيتها بسبب نقاط حساسة لم ينتبه لها القائمون على رأسها، لتكسب روح الأصلية والمصداقية فيها!
كما أن الجزائر كما يعرف معظم العاملين في الوسط الثقافي تعد من البلدان السبّاقة إلى تأسيس الجوائز الأدبية، غير أن الحماس لجائزة ما حالما ينطفئ في بداياته، وتنطفئ معه الكثير من الفرص التي تجعل من بلدنا بلد الفرص الضائعة كما وصفته الكاتبة ربيعة جلطي يوما.
ما حدث لجائزة الآداب الكبرى التي أطلقها اتحاد الكتاب الجزائريين برئاسة الروائي مولود معمري بعد الاستقلال بسنتين، لتختفي الجائزة بعدها من الوجود لمجرد ظهور أسباب سياسية هزت الحياة السياسية في الجزائر آنذاك. وبعدها جائزة رئيس الجمهورية للكتاب الشباب "علي معاشي" التي احتفت بها وسائل الإعلام والصحافة بشكل مثير للإعجاب، ما يحصل مؤخرا حول جائزة البوكر،وغيرها من السجالات، يجعلنا نطرح تساؤلات عن الوضع العام للجوائز في بلادنا وفي العالم العربي عامة.
لماذا يهاجم بعض المتتبعين والمهتمين بمجال الجوائز بعض الكتاب والنصوص المشاركة؟
الكثير من التساؤلات التي تثار في كل مرة حول العملية التتويجية للكتاب ونصوصهم وأعمالهم الأدبية، فالكثير من الملاحظين اعتبروا الجوائز الأديبة تدخلا سياسيا في الفعل الكتابي لتحفيز العقل الإبداعي، في حين ذهب فريق آخر لاعتبارها فعل هيمنة على الكاتب، ليبقى أصل الجائزة حدثا ثقافيا تفاعليا بين المبدعين والمنظمين للجائزة وبين الناقدين والقراء والمهتمين بالنصوص على تنوعها وعلى اختلاف تقييماتها وتصنيفاتها.
يشكك البعض في مصداقية لجان التحكيم، كما يتم مهاجمة النصوص، وشخص الكاتب الفائز، ومهاجمة بلد الفائز واتهامه بالشراء "السياسي" للجائزة.
في أحد منشوراته تعقيبا على الحملات الشرسة ومنشورات السخط والتهكم والسخرية والانتقاد اللاذع بعد إعلان مجموعة من روايات بعض الكتاب على غرار "رواية حطب سراييفو" للكاتب سعيد خطيبي، في قوائم جوائز أدبية، كتب الروائي سمير قسيمي قائلا:
"أحيانا أشعر أن مرض الجهوية لا يقتصر على الإدارة والسياسيين الجزائريين، بل أيضا على المثقفين والكتاب. حين تقرأ رواية يا صديقي، انس قرية ومدينة صاحبها، لا تخبرني انها جيدة، لان كاتبها من عشيرتك يا احمق."
مما يلاحظ أن سبب اللغط القائم،اعتبار الكثير من النقاد والقراء والمتابعين أن النصوص الفائزة نفتقد الى درجة معينة من القيم الفنية، او حتى انها لا تستحق أن تتوّج من الأساس.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=384743219586046&id=100041511121408
الجوائز الأدبية في العالم العربي، بين المصداقية والخروج عن تقاليد الممارسة الصحيحة والصادقة للجوائز الأدبية في العالم
يذكر ناجي أمين بن باطة الفائز بجائزة الجزائر تقرأ العام الماضي، عن روايته أوفردايف أن المبدع يميل إلى العمل أكثر، وتقديم الأفضل، عندما يتم تكريمه ودعمه ماديا ومعنويا، هذا الدعم الذي قد يكون بعدة صيغ لعل أشهرها هي المسابقات والجوائز الأدبية.
ويضيف انه مما لا شك فيه أن تعدد الجوائز الأدبية خاصة في الآونة الأخيرة هي مكسب ثقافي للوطن، حيث عكست هذه المسابقات حجم الإقبال الكبير للجزائريين على عالم القراءة والكتابة، واهتمامهم بها بعد سنين عجاف طوال في المجال الثقافي بصفة عامة!
غير أنه لا بد من التنويه أن الكثير من الجهات المنظمة للعديد من الجوائز لم تتمكن من تسديد مستحقات الناجحين في تلك المسابقات، فلم تلتزم بالمدة الزمنية المحددة لتكريم الفائزين، مما أثر سلبا على سمعتها عند الكثير من النقاد و المتابعين، في حين أنها كانت قادرة على تفادي هذا الإحراج بسهولة، وهو الأمر الذي يستحق القليل من التنظيم والإنضباط والعقلانية في توصيف الأمور وتنظيمها.
ويعقب بن باطة عن الجدل القائم بقوله: "لكن الأمر الملفت للانتباه هو ردود الأفعال السلبية الجارحة لبعض المحسوبين على القطاع الثقافي، وهذا لا يليق بمقامهم، إذ أن الكل معرض لأخطاء تنظيمية تلك التي عانت منها الإدارات القائمة على الجوائز، والتجريح الذي طالها من طرف هؤلاء لا مبرر له ولا فائدة منه."
"علينا أن نتعلم الوفاء بوعودنا والإلتزام بكلمتنا من جهة، والتماس الأعذار للآخرين وتجنب التجريح من جهة أخرى، وإلا فلا مكان لنا مع عظماء المجال الثقافي حول العالم." يضيف بن باطة.
في حين تذهب الكاتبة والناقدة الأدبية منى صريفق الحائزة على جائزة كتارا في النقد سنة 2019 الى القول بأن الأمر أصبح يميل شيئا فشيئا لنوع من الاختيارات غير المضبوطة، أو نوع من الارتجالية، وإهمال عنيف للنقد وأهميته في جعل النصوص تستحق تتويجها كنصوص يحفل بها القارئ المهتم.
تقول: "كنت غالبا ما أجد نفسي أطرح السؤال الآتي بعد كل ما أراه من هذه الممارسات الثقافية غير المرضية: هل يجب أن يتوج العمل الأدبي، او الإبداعي مهما كانت الظروف؟ هل فكرة عدم تتويج أي نص فكرة مبتذلة لهذه الدرجة لكي لا يتوج أي نص؟ في نظري أن تعترف اللّجان القائمة على الجوائز الأدبية بصفة خاصة - والأمر لا ينحصر مثلا على جائزة "علي معاشي" بل على كل الجوائز الأدبية في الجزائر- أنٔ كل المتنافسين في دورة في ذاتها غير مؤهلين للفوز بالجائزة، عوض إعطاء الجائزة لعمل لا يرقى نقديا لأن يكون حاملا لإسم الجائزة.
وتضيف ضاحكة أتذكر في هذا السياق مثالا طريفا جرى بيني وبين صديقة نتحدث فيه عن الموضة، وعن كل ما فيها وما عليها "ماديا وجماليا" فبادرني سؤال، كيف لماركة مشهورة أن تبيع كل مستلزماتها بسعر يفوق الخيال لسبب واحد؛ هو أصالتها وقيمة سنوات تأسيسها! وكيف بجائزة أدبية مرموقة كبيرة تتعامل مع كتاب مرهفي الحس أو حتى كتاب آخرين يريدون نقدا لأعمالهم، ونظرة خالية من أي ملابسات أو مجاملات أو محاباة، أن تقدم اسمها لأي كان؟! ولا أعني أيا كان أنه إنقاص من قيمة المشاركين، بل المنافسة هي التي تجعل من فكرة العمل والتميز وإثبات الوجود وافتكاك شرعية محلية أمرا بالغ الخطورة وليس بالسهولة التي نراها في الجوائز الأدبية في الجزائر. ولم يتوقف الأمر في الساحة الثقافية في الجزائر على قهر المتنافسين أو حتى تهميشهم باختفاء أسماء الجوائز الأدبية، بل وصل الأمر إلى فضائح على العلن، كأن يتوج كاتب بجائزة، وفجأة يجد نفسه ينتظر دون جدوى إذ أن كل مستحقاته المتعلقة بالجائزة التي تنافس فيها نصه لم تصله بعد.
الكاتب أحمد عبد الكريم الذي توج بجائزة أدبية استحدثت مؤخرا عن دار نشر الجزائر تقرأ، بكل وزنه وثقله الأدبين، أرّقه ما يحصل من لغط، وما يفعله القائمون على رأس الجائزة، فينشر على مواقع التواصل الإجتماعية ما يعبّر به عن رفضه لممارسات الجائزة الأدبية التي أخلفت بوعودها التي قطعتها مع كل المتابعين للحركة الثقافية في الجزائر وليس معه فقط!
كل الحقوق التي تُمنح للكاتب والتي تعبر عن مصداقية الجائزة وقوتها ومدى ممارستها لطابع الثقافة والبعد عن السياسة العمومية التي تقيد من حريتها تجدها بكل وضوح ترفض الامتثال لحقيقة كونها توجت كاتبا باسمها على أن نصّه خاض المنافسة، وبشهادة لجنة قراءة، من نقاد لا يستهان بهم كما ينوهون دائما. لتصل الأمور إلى هذه الحالة الشنيعة من الصمت المطبق، والبعد الذي لا يطاق عن تقديم أي استفسار أو توضيح يحفظ ماء وجه الجائزة الأدبية ولجنة القراءة والناقدة لكل الأعمال المشتركة!؟
جدل واسع ومستمر وصل حد عزوف الكثيرين عن المشاركة بنصوصهم، أو كأعضاء في لجنة التحكيم بسبب ما يحدث!
وإن كانت هذه الجوائز تعدت نطاق المحلية وأصبحت عالمية فإن هذا الأمر له أسبابه وتبعاته كذلك؛ باختلاف جغرافية الجائزة وحتى الهيئة التي تسهر على تقديمها للنخب المثقفة على أساس أنها عنصر فاعل في حركة ونشاط الحركة الثقافية في أي بلد كان.
تتوالى الأسئلة عليّ تضيف "منى صريفق" من كل حدب وصوب: أين تكمن المصداقية فعلا؟! في قراءة العمل الأدبي/ الإبداعي ثم تتويجه؟ أم تكمن في الهيئات المؤسسة للجائزة في حد ذاتها؟ هل فعلا هذا المستوى يليق بالجزائر كحاضرة ثقافية بها تعدد جغرافي مهول؟ يمنحنا التعدد والتنوع ما يمكن أن يعيش به عالم بأسره، أم أن فكرة استسهال الأدب والفن والجماليات المطلقة المتعلقة به، جعلت من هذه الجوائز أوكارا، بدل أن تكون ساحات واسعة للمنافسة الشريفة، التي تضمن للكاتب حقه ورمزيته المثقلة بالاحترام لكل ما يريد الإجابة عنه في عمله الأدبي والإبداعي؟
جدلية قاتلة هي هذه الأوضاع التي نراها أمامنا على صفحات الفيسبوك وعلى صفحات الجرائد. أعتقد 'تضيف منى' أن فكرة احترام الأدب لا تنبع إلا من شخص يعرف تماما قيمته، ويعرف تماما ما يعني أنه يوجد كاتب يكتب من أجل حياة الآخرين. ولن يتحقق في الجزائر شيء اسمه جائزة أدبية مرموقة أصيلة إلا إذا كان هذا الاعتقاد راسخا فيها، فقيمة الأدب وقيمة الكاتب تمنحان الجائزة فخرا واستمرارية كما تمنح الجائزة شرعية يقتنصها الكاتب بكل قوة وثقة في أن عمله بالفعل قد تميز بين آلاف النصوص "بنية وجمالية وتأويلا للماضي والحاضر والمستقبل وفق توليفة يصنعها هو ضمن تجربته الخاصة من دون اعتبارات أو سياسات أو محاباة، مهما بلغت درجة قربه شخصيا من المحكمين أو قرب دار النشر بالجائزة المشارك فيها.
وفيما يتعلق بنتائج الجوائز التي تعرض عبر منصات أدبية مختلفة، تقول صريفق انها تتبعت مؤخرا نتائج العديد من الجوائز الأدبية على المستوى العربي، وكانت تحديدا متحفظة بشكل كامل عن الخوض في أي نقاش حولها، لحين كونت فكرة عن الجائزة في حد ذاتها وعن هيئاتها المؤسسة وعن اللجان التي تتخيّرها هذه الجوائز الأدبية التي اكتسبت قيمة لا يستهان بها.
و لأكون أكثر دقة تضيف منى صريفق، أردت معرفة طريقة تفكير غالبية المتتبعين لها من الجزائر،القراء والمثقفين والدارسين والمشاركين فيها. ووجدت أن نصوصا تظهر من العدم لمجرد ذكر أسمائهم في القوائم القصيرة والطويلة لهذه الجوائز! فينكب الدارسون عليها بشكل غريب، دراسة، ونشرا لآراء تقييمية، تنعدم فيها في مرات عدة مقاييس القراءة المحكمة، معرفة بأصل وجنس العمل الأدبي وانتهاء بطريقة كتابة الكاتب المشارك في هذه الجائزة. وتأكدت أن أغلبية المتتبعين للجوائز يناصرون الكتاب فقط لأنهم ينتمون إلى البلد ذاته، والثقافة ذاتها، و لأكون أكثر دقة المقاطعة ذاتها. متناسيين أن هذه المسابقات الأدبية المشهورة لها خلفية إعلامية قوية داخل الوطن العربي، ومصداقية لن أشكك فيها، ولكن أبدا لن أناقض اعتقادي في أن المدرسة الجمالية لحكام هذه الجوائز قد تختلف حتما من بلد لآخر، ومن طبيعة تفكير لأخرى. وأن تتويج نص على آخر لا يعني بتاتا أن نصوصا أخرى مشاركة فيها قد فشلت في تحقيق مبتغاها من الكتابة في حد ذاتها. ومن بين هذه الجوائز "الجائزة العالمية للرواية العربية" التي يطلق عليها جائزة البوكر العربية، والتي أفرحت الكثير من المتتبعين للثقافة والأدب في الجزائر بوصول أسماء جزائرية لقائمتيها الطويلة والقصيرة.
لن أنكر فخري بوجود أسماء جزائرية، ولكن لكل متتبع طريقة معينة في فهم وتحليل الأمور، وأنا لي طريقتي الخاصة في رؤية الأمور بخاصة ما يتعلق بالنصوص الأدبية، وقد أتبنى في هذا المسلك رؤية تفكيكية دقيقة، مفادها أنني لا أقرأ لكل اسم تم نشر اسمه في قائمة من القوائم، بل أنا أقرأ لكل اسم في وقته وحيّزه المناسب، بعيدا عن بهرجات الإعلام، وعقلية الريفيوهات reviews الفيسبوكية المجاملة والمحابية لكل إسم تم ظهوره. حتى وإن كان الأمر يتطلب وجود ناقد يساير الموجة بكل حيثياتها. ولن نبتعد كثيرا عن هذه الجدلية التي رأيت ذاتها في جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي، التي تم فيها تتويج أسماء مغربية لتبدأ معركة اللجان التي تقرأ الأعمال مع تنمر المتابعين من مختلف الربوع في كون الفائزين كلهم من بلد واحد ينتمي إليه الناقد الأساسي في لجنة التحكيم ، كل هذه التعليقات وكل هذا الكم الهائل من عدم التبصر في حقيقة الجائزة الأدبية يجعل من موقف الكاتب الذي يخوض حربا ضد اسم الجائزة -على قيمتها ورمزيتها - يقع من مزلق بالغ الخطورة، فهو يظهر جليا فكرة طمعه في الجائزة المالية بشكل ينقص كثيرا من هيبته ورمزيته ككاتب يحاول الخروج من هذه الحياة بأقل الخسائر المادية فداحة في حياته. توجد جوائز لا تعطي القيمة الحقيقية للكاتب، كما يوجد كاتب لا يعطي القيمة الحقيقة لما يكتب فتجده يسرع لاقتناص الجائزة بسبب عائدها المالي فحسب! وبين لجان محابية وجوائز تحدد أهدافها ومخططاتها القيّمة، وأخرى تهمل كل ما سبق ذكره من أهداف ومخططات، وكتاب يظلمون وآخرون يثورون ضد قرارات اللجان، نجد المتتبع لصفحات الثقافة تائها، وغير قادر على اختيار طرف رشيد يكمل معه مسيرة المعرفة الثقافية داخل الجزائر وخارجها.
بالعودة إلى ذات النقطة وهي مصداقية الجائزة ومحايدة لجان التحكيم، جوائز كالبوكر، وكتارا، الطيب صالح، الشارقة والعويس، و مؤخرا جائزة الجزائر تقرأ، باتت محل تشكيك لدى الكثير من النقاد ممن ترأسوا لجان تحكيم أو شاركوا كأعضاء، ما يجعل هناك آراء متباينة حول فوز كاتب على حساب آخر! وكثُر التساؤل عمّا إذا كان المنتج أو النص يستحق فعلا، وماذا عمّن استبعد او غييّب؟!
أهمية الجائزة تكمن في مصداقيتها وقوة لجنتها التحكيمية
الأمر تخطى الحدود الحمراء، بل ووصل إلى حد خسارة العديد من الجوائز لمصداقيتها، وإلى أبعد من ذلك، على خلفية الكثير من الفضائح المتعلقة بتهميش النصوص، وعدم قراءتها على حد قول الكثيرين، واستبعاد أسماء أدبية لها وزنها، وقيمتها الأديبة التي كانت سبّابقة في تناول مواضيع معظمها لم يسبقها إليها أحد، وعلى مدار أكثر من عشرين سنة من العطاء، والإنتاج الأدبي العزيز.
ففي اتصال مطول ومتابعة لها زمنا ليس بالقصير، تواصلنا مع الكاتبة السورية لينا هويان الحسن، التي شاركت بالعديد من أعمالها في مسابقات عديدة وتوجت معظمها على مدار سنوات، تضيف في هذا الموضوع الذي أرّقها وقالت عنه إنها استهلكته، وهذا على خلفية قضيتها حول نصفها الاخير "ليست رصاصة تلك التي قالت بيلا" والتشابهات المريبة بينها وبين نص خالد خليفة عن نصه " لم يصدق عليهم احد" الذي شاركا بهما في جائزة البوكر لهذه السنة، بأن الجنة لم تقم بعملها كما ينبغي، كتبت منشورا عبر صفحتها على فيس بوك، ونشرت رأيها بوضوح في عدة حوارات لها، ومقابلات مع العديد من الجرائد العربية والمجلات قائلة: "المسألة باختصار أنني قررت عدم التعاون بحقيقة أن التشابهات والتقاطعات بين العملية تتجاوز حكما توارد الافكار، وعندما أثرت القضية كنت قد استشرت اكثر من ناقد له خبرة، وكذلك محامية مختصة بحقوق الملكية الفكرية، نشرت التفاصيل بوضوح ونقاط محددة لا تقبل الجدال على صفحتي بموقع فيسبوك، رغم معرفة أني سأخوض معركتي بيتك حقيقي، فالوسط الثقافي غالبا ما يفتقد للشجعان، بل أكثر من ذلك فالشلليات الأخطبوطية ولدت الشجاعة من قلوب قوم الثقافة! "
وفي منشورا لها أيضا طرحت نقاط مهمة جاء فيها: "مساءلة للجنة تحكيم جائزة البوكر 2020 إذا حضراتكم قرأتم العملين باستعجال مثلا، ولم تلاحظوا التقاطعات ولا الأسلوبين شبه المتطابقين، ولا الفترة الزمنية ولا الأمكنة فهذه مصيبة وإذا قرأتم وانتبهتم و " طنشتم" وفقا لحسابات ماوراء الكواليس لا نعلمها فالمصيبة أعظم.
أتمنى أن تأتي الآراء النقدية من ضمائر نظيفة من التواطؤات، والتحيزات، مرّة واحدة فليثبت النقد روحا نظيفة وسليمة دون حسد واستذئاب."
وتضيف : "كما ترون أعلم منذ البداية اني البطلة الوحيدة في هذا القفز اليباب الذي أسميه وسط ثقافي. قطعا لن أرشح أعمالي في المستقبل لجائزة البوكر، في العام الماضي كنت في لجنة تحكيم الجزائر تقرأ، كرست وقتي لقراءة النصوص المرسلة لي، بل أكثر من ذلك كتبت تقرير يسلط الضوء على موضوع كل رواية، بالإضافة إلى التقييم، والكاتبة الجزائرية هاجر قويدري التي تكبدت عناء ادارة مجموعة المحكمين تشهد لي بذلك، إذن من يكون محكّـما في لجنة يفترض أن يقرأ، والشيء الأكيد أن روايتي لم تقرأ من قبل لجنة تحكيم جائزة البوكر 2020، ساكتفي بهذا القدر من التعليق حول الموضوع، وقد ذكرت سابقا أنني لجأت الى المحكمة و سأحصل على حقي عبر القضاء."
جوائز أدبية كثيرة ومختلفة، وجدل واسع حول أحقيتها واستحقاقها، بين الكتاب والقراء والنقاد.
القاص والشاعر العراقي عبد الهادي سعدون، في إحدى تصريحاتها لجريدة عربية، قال أن: " التشكيك بالجوائز وأهميتها من عدمه متداول في كل بلدان العالم، كما أنّ كثرتها تَتبع طبيعة هذا النوع الأدبي من غيره. الصحيح في هذا البحر من التلميحات والموافقات أو الرفض للجوائز هو الحرص على تشجيع الجوائز الحقيقية، ليس لقيمتها المادية بقدر قيمتها الفكرية والإبداعية."
ومن وجهة نظر الناقدة والمترجمة الفلسطينية أماني أبو رحمة فإن الجوائز الأدبية تعددت بشكل يثير التساؤلات فعلا حول الجوائز والقائمين عليها، ومن ينالها أيضاً.
وتبيّن أبو رحمة على الصعيد ذاته " أنه لم يترافق هذا الكم من الجوائز والمهرجانات بنهضة أدبية وفنية وبحثية أصيلة وجادة، لا في دول الخليج ولا في باقي الدول العربية ، بل رافقت الفضائح أغلب هذه الجوائز وكثير من الفائزين بها ومعظم أعمالهم.
والناتج، بحوث مادة مكررة ،و مسروقة في أحايين أخرى، وأعمال لا ترقى للمستوى الأدبي المحترم، ولجان تحكيم غير ذات صلة، تُعطي تقييمات انطباعية لا تُقنِع أحدًا حتى المتقدمين للجائزة، ويستمر السجال طويلا قبل الجائزة وبعدها، عن كواليسها وأهلية أعضاء لجانها، وأهمية العمل وظروف الفوز مما يفقدها الكثير من المصداقية، الأمر الذي وصل إلى أن بتنا نسمع مثلا إن جائزة ما ذهبت العام الماضي إلى مواطن ذلك البلد، وعليه فإن الفائز لهذا العالم لن يكون منه. حتى بات المراقب يستنتج الفائز بالجائزة قبل إعلان نتائجها استنادًا إلى معايير لا علاقة لها بالنص الإبداعي أو النقدي".
وتقدم أبو رحمة تساؤلات عدّة، منها: هل هذه موضوعية؟ ما علاقة الجنسية أو غيرها من الصفات أو العلاقات الشخصية والعامة بالإبداع؟
ليبقى هذا اللغط قائما، مادامت الجهات القائمة بعيدة عن المعنى الحقيقي لِاستحقاق ومنح الجائزة، الذي يجدر به نيلها، مالم تدخّل أي حسابات أخرى في قائمة شروط منحها للجائزة، وبعيدا عن المسائل الشخصية أو محاباة أطراف أخرى، حتى نرقى بالعمل الثقافي ونوصل جوائزنا العربية إلى مصاف الجوائز الثقيلة والمحترمة، التي تقدر فيها الدول و تحترم كُتّابها ومُبدعِيها، بعيدا عن الحيّز الجغرافي الضيّق الذي ينتمون إليه أو الحسابات السياسية، والعرقية، والاِنتماءات المُشينَة التي ينسُبُونها للديّن والهوية، وعن الذرائع الواهية المتعلقة بالاستشهاد بالبحوث العلمية والشواهد التاريخية، واعتبارها سرقات، فقط من أجل أن يستبعد نص ويتقدم آخر.